صفاء أخرس
صفاء أخرس

د

في عقد العشرين من عمرك ولا تزال تائهاً!

لطالما كانت تغريني مرحلة العشرينيات من العمر، كثيراً ما كنت أفكر بها، متى أكبر وأصل إليها، متى أنهي المدرسة السخيفة الصغيرة وأذهب للجامعة الواسعة، والكثير من هذه الأفكار وما يشبهها كانت تدور في رأسي دائماً.

أنا الآن في النصف الثاني من مرحلة العشرينيات، ما الشيء المميز المشوق بها؟ ما المؤلم؟

لا شيء سوى أنني فعلاً أحب هذه المرحلة وأحب أفكاري القديمة وأتقبل أفكاري الجديدة الغريبة.

المؤلم أن سلبيات هذه المرحلة لا تعد ولا تحصى بالنسبة لأي شخص يعيش في مجتمعنا، والمجتمعات الأخرى بنسبة أقل. ولذلك يجب إدراك هذه السلبيات أولاً، ثم العمل على حلها أو التقليل منها قدر الإمكان.

ما هي سلبيات هذه المرحلة؟

عندما تفكر بإنهاء دراستك ثم الحصول على عمل ثابت مدى الحياة فهذا مجرد ضغط عقيم. تمارسه على نفسك وتحاصرها في دائرة صغيرة مغلقة، من الذي أخبرك بهذا؟

عندما تعتقد أنك تدرس فرعاً جامعياً لا ترغب به ولا تحبه ولا تجد الحماس للدراسة. ولا تنفك تقول: هذا ليس ما أريد، بل هذا ما يريده والداي وهذا ما يريده المجتمع، وسنوات عمري تضيع سدىً وأريد أن ألاحق شغفي. والكثير الكثير من هذا الكلام وغيره والذي لا فائدة له أساساً. فأنت بذلك إنسان كسول عاجز عن تحمل المسؤولية وتريد من الحياة أن تفعل كل شيء بنفسها لك.

الخطأ الأكبر حقاً أنك تريد شيئاً دائماً ثابتاً، وتعتقد أن خساراتك عظيمة جداً، ولا تدرك أن الخسارة في هذه المرحلة أهم بكثير من النصر. لأنها دائماً ما تريك أغلاطك وتجعلك إنساناً أقوى وتصقل شخصيتك، وأنها ستدربك على الخسارات العظيمة حقاً في الأيام القادمة.

نأتي الآن للمقارنات الغبية البغيضة التي تأكل دماغك، لماذا تقارن نفسك بغيرك؟ لماذا تريد دائماً خوض تجارب الآخرين ذاتها؟ لماذا لا تدرك أنك إنسان مستقل بعالمك وأفكارك ومشاعرك وتجاربك الخاصة؟

ثم ما الأمر العظيم في محاولة الجميع أن يكون وحيداً ويتغنى بوحدته ولا يود مخالطة الناس والمجتمع؟ أنا لا أفهم حقاً ما المغزى من هذا التفكير. إن لم ترى الناس وتستمع لهم وتشاركهم تجاربك فكيف يمكن أن تبني أفكار جديدة وأن تحسن مهاراتك الاجتماعية وتتغلب على خوفك من المستقبل؟

هناك متغيرات كثيرة حولنا تجعلنا مشتتين وضائعين، لا نملك هدفاً محدداً ولا وقتاً محدداً. تجعلنا نتغير في كل تجربة، وفي كثير من الأحيان تجعلنا متناقضين فاليوم أنا أود الكتابة وبعد مدة أهرب منها، والأمر ينطبق على كل الأشياء والأشخاص في حياتنا.

أنا لا أملك شيئا في العشرينيات سوى تجاربي الشخصية جداً وأحلامي التي تتجدد كل أسبوع. ومحاولاتي للاستقرار على فكرةٍ ما من بين جميع الأفكار التي تحلق في سماء رأسي.

نعم هذا مؤلم ولكنه طبيعي، ومن يشعر أنه تائه لوحده، فهذا غير صحيح إطلاقاً. إننا جميعاً تائهون، لا نعلم ما الذي نفعله اليوم أو ما الذي سنفعله غداً.

في النهاية إن أهم نصيحة من الممكن أن أقدمها لمن يشاركني مرحلتي العمرية ذاتها:

نظف أسنانك جيداً.