ثناء بن شبل
ثناء بن شبل

د

البحث في أرشيف الماضي… ماذا لو مكث العابرون معنا كثيرًا؟

وبينا معاد
لو إحنا بعاد
أكيد راجع ولو بيني وبينه بلاد

هذه الأغنية تجعلني أحنُّ إلى تسعينات القرن الماضي أكثر من الألفينية المستبدة المشاعر، والتي لم أعشها حتى أشعرَ بها، ولكن حنين هذا الجيل لتلك الحقبة جعلني أعتقد بأن البحث في سبيل إيجاد شخص عابر في تلك الأيام أمرًا صعبًا للغاية، بل ومرهق ويجعلك تقول في سِرّك “ما الضير لو مكث العابرون معنا ولو قليلًا؟”

أما في عصرنا وعلى غير العادة التي جرَت عقب الفتح الإلكتروني لمجتمعاتنا، نجِدُ البساطةَ في الحصولِ على أي شيء ما، حتى إن جاءَتك رغبةٌ عارمة في الحصول على عينة من صخور كوكب المريخ، ولكن هل يمكن لهذا الفتح الإلكتروني فعل ذلك على سبيل إيجاد العابر القديم واسترجاع المواقف؟ وهل يمكن استرجاع قصصنا الجميلة من الماضي لغرض التّأمل، والشعور المتحسر عليه، أيمكن أن يكون العابر التي زارنا في لحظةٍ ما هو الدائم والأنيس في حياتنا؟

آه، في الحقيقة، أو لا، سأستجلبُ أسلوب آخر لأن ذلك يبدو مؤلمًا.. إن ما علِمتُه من أمرِ الحكايات الجميلة التي جمعتنا بأصدقائنا القدماء، وطيفٍ جميل من ذكريات مدرسة الثانوية، والكثير ما يفوحُ بأريجٍ عطر، وبهجةُ حياة.. بأنَّ نزعة العودة إلى الماضي في سبيل ألا نفلت العابرُ الجميل من أيدينا، أو نتأخّر على لقاءِ الأحبَّة..

ما هي مشكلات لن تحلها التكنولوجيا، ولن تسعفَها أي خوارزمية، فالذي يصعب العُثور عليه ليس هذه الذكريات القديمة إنَّما الشعورُ ذاته، رُبما نلتقي بزميل الدراسة في محطةٍ ما ولكن لسنا متأكدين إن كنا سنعود على وتيرةِ الوَهج القديم! فلا سبيلَ لاختراع بما يسمى آلة العودة  بالزمن أو برمجة روبوت يحاكي صديق وفيّ عبر شغاف قلبنا يومًا ما، نعم تسكننا رغبة المغترب في العودة إلى بلده والمتخاصم إلى صديقه، ولكن الالتفاف والرجوع هذا أكثر مايؤلمنا شعورًا وحتى كتابةً!

أعتقدُ أنّه حين تريد الإشارة إلى طريق العودة لايجدرُ بِك الذهاب مباشرةً للخلف، لأنك ستمرُّ بسلسلةٍ طويلةٍ من القصص والمواقف التي استنزفتك وقتًا وشعورًا، لذا الأجدر أن نعبرَ هذا الوقت فوق جسور المواقف التي صنعتنا، والأشخاص الذين خيّبوا ظنوننا بهم، والمارة التي أسروا قلوبنا بخفة ظلهم، وكم تمنينا يوما بقائهم معنا طويلًا!

ولكن مهلًا، ماذا لو مكث العابرون معنا كثيرًا؟ هل سيكونوا خيرَ أنيسٍ لوحدتنا؟ أكادُ أجزم بأنهم ليس هكذا، فهُم دائما خفيفون الظّل، حاملين بحوزتِهم الكثير من البهجةِ والمسرّة، ولكن لو مكثوا وقتًا أطول ربما لايمكن لهذا الأثر الجميل أن يَحدُث! ومن هنا جاءتْ فكرةُ الرحيلِ مبكرًا لكلِ شخص عابر، لكل أمنية وشعور ولحظة خاطفة من وراء الكواليس، وأخرى من طيف الماضي القديم نخبّئها في جيوبنا ونسيرُ بها عابرين أيامنا.  

ولكن الأهم من ذلك كله أن تعلَم بأن كل تلك المواقف والمشاعر القاسية هي من هذّبتك لتجعلك أقوى مما أنت عليه اليوم، فدع عنك خرافة العودة إلى طيف الماضي والعيش بين أحضانِه، وامْضِ قدمَا فهناك الكثير من الأبواب المغلقة بانتظارنا، والتي لن تُفتحَ لأحدٍ سوانا ولنلملم شتات أنفسنا من صحراء الماضي القاحلة وسرابها الزائف.