ملاك العامري
ملاك العامري

د

في شغف الكتابة وبدايتها

طفولة ونص:

حينما كُنت أقضي طفولتي في قريتنا في الجنوب، كان جُل تسليتي أقضيها في الكتابة والخط وكنت جيّدة في وصف مشاعري والتعبير عنها، كنت الوحيدة في الصف استطيع نظم الكلمات والوقوف أمام طابور الصباح لقراءة ماكتبته، كما كنت كاتبة بارعة كُنت أيضًا متحدثة بارعة، لم أخجل قط من إبداء مشاعري، من التعبير عنها والكتابة أو التحدث، في تلك السنوات كنت أحب كتابة الأشياء الصغيرة لأخوتي وبنات عمي الصغار اللاتي في سنّي، كان الجميع يسكن المدينة نحن وحدنا في القرية حين كانوا يأتون لزيارتنا في الإجازات الصيفية كنت أكتب لهم رسائل الوداع قبل أن يسافروا، وذات مرة سافر أخي الأكبر لاكمال دراسته بعيدًا عنا، قمنا بكتابة الرسائل جميعًا قبل أن يذهب، كتبت له أختي التي تصغرني سنًا، وكتبت له أنا مستعرضة عضلاتي اللغوية التي اكتسبتها من القراءة كلمات مُعبرة عن اشتياقي الذي يسبق الرحيل، ووقف أمامنا لقراءة الرسائل فردوا جميعًا: أمل -التي تصغرني سنًا- كتاباتها بريئة عفوية، أما ملاك متكلّفة تكتب أكبر منها.
لم يكن إطراءً قط بل كانت كلمات جارحة طعنت ثقتي بمواهبي.

في ذكريات مدرسة الابتدائية:

ولأنني مستمرة بحب القراءة والكتابة، كنت أقوم بفعل الأشياء المحرمة قطعًا في ثقافة القرية، لكن كنت أمارسها في الخفاء، كنت اقرأ لأنيس منصور ونجيب محفوظ وسعدي يوسف ونازك الملائكة وغادة السمان، كنت اسمع الأشعار والقصائد الأدبية وكنت اجمع الصحف وأقص صفحة القصائد واجمعها واكتب ما استطيع منها، وذات مرة في ممارسات قمعية في مدرستنا الرجعية، تم تفتيش شنط الطالبات واخذوا حقيبة اشعاري الصغيرة، اجتمع جميع المعلمات لقراءتها وكأنهم امسكوا بي بالجرم المشهود، انفجرت من البكاء آنذاك خوفًا من أهلي تحت تأويلات معلماتي أنني أكتب الرسائل للشباب!!، كانت عمتي مرشدة طلابيّة ذهبت استنجد بها لتأخذ الحقيبة ولاتخبر أهلي لكن رد: “معليش لازم أهلك يعرفون”.. اتصلت بأمي وكانت أمي تشعر بالعار من سلوكي قامت بضربي حينما عدت من المدرسة وسحبت جميع ماكتبته من نصوص ضئيلة لفتاة لم تتجاوز الثاني عشر من عمرها.
تجرّعت مرارة الكتابة مبكرًا، فقد ضُربت بشدة من قبل عائلتي وحرمت من الكتابة والكتب بقي أثر التعنيف حتى اليوم في ظهري ندبّة تذكرني بشغفي الأول.

في المرحلة المتوسطة:

بعد أن توقفت عن الكتابة عدة سنوات، خوفًا وتحطيمًا، انتقلنا لمدرسة في جدة في مرحلة المتوسطة، وفي أثناء حصة التعبير طُلب منا تلخيص قصة، لم تقم ساره صديقتي بالواجب بل احضرت واجب احدى زميلاتنا في الفصل الآخر واعطتني وقالت: “بالله بس غيري فيه شوي عشان لا تكشفنا الاستاذة”.
قمت بحله لها وعدلت على القصة بطريقتي واختصرتها.
حينما قرأت الأستاذة الواجبات، قالت: “مين حل هذا الواجب مو انتِ ياسارة! أنا قرأت نفسه في فصل ثانِ لكن هنا في مهارة تعبير واختصار رائعة محبوكة”.
قالت سارة: “ملاك حلت لي الواجب”.
التفتت عليّ الأستاذة وقالت: “أنتِ لك مستقبل باهر في الكتابة، مُبدعة”.

ربما هي بضع كلمات قليلة قالتها، لكن كانت بمثابة وقود شحنني بطاقة غير مسبوقة جعلتني استعيد رغبتي وحبي، مما جعلني أرى ندبة ظهري كعلامة حُب تذكرني بشغف الكتابة وحبها.

ملاك العامري
٢:٢٨ م
شارع صاري
من غرفة الاجتماعات في الشركة