سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

ولكنهم مستمرون بالتحرك!

قرارات جديدة بالإغلاق المبكر، وشبح الإغلاق الكامل يلوح من بعيد ولا أحد يعلم ما سيحدث في الأيام القادمة.

وعاد صوت القطار في المساء من جديد ليدوي في أرجاء المدينة بسبب الصمت الذي عاد ليخيم على البلدة. صوت القطار الذي أسمعه عادة في ليالي الشتاء بفعل الهواء منذ وعيت في الحياة، أسمعه فيذكرني بالسفر وحدي مع والدي أو مع العائلة بأكملها. مرات للتنزه، ومرات لقضاء مصالح أو إنجاز بعض المعاملات الورقية، وبالرغم من إختلاف الوجهة وإختلاف اليوم بأكمله إلا أنني لم أكره التنقل به أبداً ولم يرتبط في ذاكرتي إلا ومعه فكرة التجول مع والدي بدون أن يشغل بالي ما نحن على وشك القيام به أو صعوبة اليوم. فقط صوت القطار والطريق ووالدي إلى جواري ولا شيء آخر في الحياة، عند الترجل منه كنت أفكر فقط في رحلة العودة ثم التي تليها وهكذا.

في مرحلة الإغلاق الأولى لم يكن الأمر بهذا السوء في البداية، وكانت التوقعات بمرور الوباء والأزمة كلها في أسرع وقت، وكان الإغلاق عبارة عن إجازة أجبرنا على أخذها حتى طالت المدة ولم يحدث ما توقعناه جميعاً. وبدأنا في النزول من جديد ولكن مع الإجراءات وإغلاق بعض الأماكن وبعض البلدان محلياً وعالمياَ مما جعل الأمر أصعب. أقول لنفسي أنني لم أكن لأذهب لتلك الأماكن المغلقة في هذا التوقيت بالتحديد على كل حال  وأن كل هذا سينتهي مع الوقت، فقط علينا أن ننتظر. سماع الصوت وقتها كان يمنحني الأمل بالعودة للحياة من جديد والتحرك مع القطارات التي لم تكف وقت الإغلاق عن الحركة والتنقل كما فعلنا نحن. صوتها كان يشعرني بالحياة في وقت شعرت فيها بأنني أقطن بمدينة للأشباح. أما الآن بعد كل ما مررنا به، وبعد رؤية ما حدث خلال الإغلاق الأول وعدم ألتزام أحد بأي شيء وطول المدة وعودة الإغلاق من جديد لم يعد الأمر بنفس الصورة السابقة، أصبحت الأصوات تذكرك بأن الحياة مستمرة بالخارج والجميع يصول ويجول وبأنك الأحمق الوحيد الملتزم مما جعل الصوت وسيلة تعذيب مؤخراً.

بالطبع القطارات الآن أصبحت ترتبط بالكثير والكثير بخلاف ما تحدثت عنه، ومجرد التفكير في ركوبها مرة أخرى أصبح أمر يحتاج للتفكير.  ولكن صوت القطارات الآن أصبح يمثل لي ما كان يصفه جوني كاش بإحدى أشهر أغانية ” Folsom prison blues” وأتمنى أن لا يدوم هذا الوباء ولا الشعور أكثر من هذا..