هيثم عمر
هيثم عمر

د

يوم قابلت قاتلًا!

أدركت البارحة حقيقةً كانت غائبةً عني، مدفونةً بين شبيهاتها من الأشياء والأمور التي نسيتها وما عاد لها ذكر في دنياي.

فالبارحة قابلت قاتلًا!

نعم قاتل!

قضيت معه يومًا كاملًا، يوم كان مقداره آلاف السنوات عندي، يوم أدركت فيه أن كنزنا المميز البراق قد سرق من بين يدينا، وطالته الأيدي فنجس واختلط نقاؤه وطهارته بفساد الدنيا والانسان.

لم يقتل ذلك الآثم جسدًا واحدًا، بل قتل أمة بأحلامها وطموحاتها.

قابلته وهو كالطاووس يغتر بجريمته الشنعاء ويتباهى بها.

الدم على يديه، وجمع من أتباعه ينهلون منه، ينظرون إليه بأعين براقة حاسدين ثقته وطلاقته وشجاعته التي لا مثيل لها؛ فكيف له بعد أن فعل ما فعل، أن يخرج دون خوف مجاهرًا بإثمه وفساده.

وقبل أن تمل من قراءة سطوري، وتخرج عابسًا غير آبه لما ستحويه سطوري القادمة. فأعلم أن الذي قُتل وضاع هو لغة وهوية.. هي لغتنا العربية التي ما فتئت تصرخ وتناجي ربها لعل الفرج من عنده يجيء أو لعل أهلها عن قتلها ونسيانها يرجعون…

فذلك القاتل هو واحد من الآلاف غيره، الذين انسلخوا عن أصلهم وهويتهم، وتشبثوا بالغرب وثقافتهم. فأصبحت ألسنتهم تعوج كلما نطقت بالعربية، وكأن العربية تكبلها أو أنها لغة غريبة عجيبة الأصل والمنشأ…

لا ينطق بكلمة عربية إلا وسيل من المفردات الأجنبية – خاصة الإنجليزية – معها مرافقةً وطاغيةً عليها.

كأن التقدم يملي عليه ذلك، والعصر يدفعه نحو النطق بعربية ركيكة ضعيفة، تعقبها تلك الكلمات الأجنبية حسنة اللفظ والنطق.

فهل كان من شعرائنا التقصير والضعف في إيصال الفكرة ونقاش القضية؟

أم أن مواقعنا وخطاباتنا التي تصدح في الأرجاء وتصيح كديك مع طلوع أولى أشعة الشمس كل يوم بضرورة الحفاظ على لغتنا وهويتنا العربية، لم يكن لها أي تأثير؟!

تصرف آلاف العملات على تعلم اللغات الأجنبية، لكن قطعة نقديةً واحدةً لا تنفق في سبيل تعلم لغتنا العربية من قبل أبنائها.

كأنهم أتقنوها وبرعوا فيها قراءةً وكتابةً ومحادثةً…

وذلك لأنها ختمت في سجلاتهم كما تختم أسمائهم فيها دون اختيارهم، يتعلمونها ويغردون بها لأنها جزء من ” بطاقة تعريفهم “، فيظنون أنهم بذلك أتقنوها وبرعوا فيها. غافلين عن الحقيقة، فعلمهم قليل وجهلهم كالمحيط لا نهاية له.

فأصبحت مجتمعاتنا العربية كأنها نسخة مصغرة عن الغرب. فهذا ينطق بالفرنسية، وذاك لا يفيق عقله وينشط جسده إلا إذا تجرع كأسًا من الشاي ” إنجليزي ” المصدر والمنشأ، وتلك لا تقتني ملابسها إلا من المتاجر عالمية الاسم لا الجودة…

ألم يحن الوقت للاستيقاظ بعد؟

أم أن السكينة غرزت عميقًا بين شحوم وزوائد مجتمعنا العربي، تاركةً خلفها جرحًا عميقًا لا سبيل لشفائه؟

لست ضد تعلم اللغات بمختلف ألوانها وأصنافها، إلا أنني أقف رافضًا مجابهًا ومقاتلًا لكل من استهان بالعربية وأعرض عنها، منتقصًا من حقها لجهله وضعفه لا لأنها هي المشكلة…

فكيف لمن لا يفقه العربية أن يدرك ويفهم مقدار الإعجاز في القرآن الكريم؟

وكيف لمن أعمته الدنيا عن تعلمها أن يذوق حلاوتها؟

سيبقى ذلك اليوم محفورًا في قلبي..

يوم قابلت قاتلًا!