عماد الدين زناف
عماد الدين زناف

د

لماذا شركة ديزني هي ماكينة تغليط وتحريف بامتياز؟

أواصل في حملة إعادة التفكير في المنتوج الأمريكي، وهذه المرّة مع كارثة الشاشة بالنسبة للأطفال والمراهقين. عندما نشرتُ شيئا مماثلا منذ سنة، اعترض البعض بقولهم إن ديزني “لطّفت” من القصص الحقيقية، ذلك أن القصص الحقيقية “مُرعبة”. الواقع يقول أن لا شيء يبرّر التحريف، ولنذكر أعلى الأمثلة على الاطلاق وهو القرآن.

حيث نقل الله لنا قول إبليس كاملاً، وهو يتوعّد البش إلا عباد الله المخلصين، فإذا جاز التحريف دينا وعُرفاً إنسانيا، لما نقل القرآن أقوال الملعون كما هو، وما نقل لنا قول فرعون أيضاً، فحجة أنه أقوالهم ودعواهم مرعبة وغامضة ليست بحجة، ذلك أن الحق لا تشوبه شائبة، ولا يخشى قول هذا وقصة ذاك. فالقول بأن ديزني لطّفت من القصص لأن الأطفال لا يتحمّلون تلك القصص أمر مُغالط، فالأطفال يعرفون معنى الرعب وما يُستنتج منه بطرق كثيرة، لذلك، وجب أن يعرفوه بصيغة صحيحة، وليس بتحريف القصص، وجعل كل النهايات سعيدة، ما يجعل الطفل شخصية ساذجة لو تتوقف عن البكاء حتى وهي ناضجة، ذلك أن مفهوم الحياة عندها لا يعرف التوازن بين الخير والشر.

لديزني عشرات المؤلفين، فلمَ اختاروا تحريف قصص الماضي عوض تأليف قصص جديدة بالكامل؟ الجواب سهل جداً، عملت وتعمل على سرقة كل قصص وموروثات العالم، ثم تعيد طرحها بطريقة تفكريها وايديولوجيتها، لتستقطب انتباههم، فهي لم تفعل هذا في الأفلام والرسومات فحسب، حتى في الفلسفة، وقد تكلمت عن النظرية الفرنسية في مقال مستقل، حيث استوعبت فلاسفة فرنسا في القرن العشرين، وصنعت بهم ما يسمى النظرية الفرنسية (فرانش ثيوري) لتصدّر للعالم الفكر الفلسفي الجديد. وهذا لتُمرّر فكرة أن الأسلوب الأمريكي في النظر للحياة هو الأصح، دائما وأبداً.

احذر، هذا المقال يحمل قصصاً حقيقية، غير تلك التي عرضتها والت ديزني لسنوات طوال، القصص الحقيقية مُرعبة وصادمة بالنسبة لمن يعشق أفلام والت ديزني الوردية الناعمة، والأمثلة التي سأذكرها، تبقى أحسن من مشروع ديزني القادم في كسر كل الثوابت والفطرة الإنسانية من جذورها.

نبدأ بقصة رقصة حورية البحر، أو عروس البحر، القصة الأصلية تعود لهانس كريستيان أندرسين، وهو كاتب دنماركي من القرن التاسع عشر، وقبل الخوض في تفاصيلها، أشير الى أن كل هذه القصص كانت موجهة للأطفال، منها قصة شارل بيرولت الأشهر: ذات الرداء الأحمر، والتي أكلها الذئب بالكامل وهي في فراشها، والرسالة الذي أراد أن يوصلها بيرولت هي تخويف النساء من الاغتصاب الذي كان شيئاً مرعبا في فرنسا في القرن السابع عشر! بينما تُظهر والت ديزني أن الذئب هنا مجرد آكل للبشر، بلا أي معنى خلف ذلك.

إعادة كتابة هذه القصة بمفهوم آخر هو تحريف معناها الأصلي، وما كان يجب تسميتها بذات الرداء الأحمر، إنما كان يجب صناعة قصة أخرى، باسم آخر فحسب.

هذه القصص كانت تبعث برسائل تجعل الأطفال أكثر في تلك الحقبة أكثر حرصاً وفطنةً وذكاءً، اليوم، أضحت رسائل مُفرغة من كل المعاني، رسائل تجعل الطفل في تنويم مغناطيسي مليء بالإيجابية، على طريقة التحفيز والتنمية البشرية، إلى أن يصطدم بالواقع المناقض لما كان يحلم ب، ويراه الواقع لا واقع غيره.

عودة لقصة عروس البحر، هذه القصة روحانية وفلسفية، بعيدة عما عرضته ديزني. فحواها أن حريات البحر لا يمتن، فهن يتحولن إلى نصف سمكات، أما الرجال، فروحهم تموت. إذا ولكيلا يمتن، عليهن إغراء الرجال، وبما أنه لا يمكنهن ذلك.. فقد أصبحن مثل الجماد، ثم بنات الرّيح، وبنتُ الريح يمكنها أن تبقى حُرِية للأبد إذا ما قامت بالأعمال الصالحة، بعيداً عن إغراء الرجال (الأمير)، ذلك أن في القصة، لم تستطع فعل ذلك.

نأتي للمثال الثالث، وهي قصة هرقل، فيلم معروف للجميع، القصة التي كلها سعادة وجمال، بينما ليس لفيلم ديزني نصيب أذن الجمل من القصة الحقيقية من الميثولوجيا الإغريقية. قصة هرقل تكمنُ في رجل أصبح مجنوناً، فقتل زوجته وأولاده، وفي النهاية ينتحر من الحزن، حزنٌ جاء بعد أن اكتشفَ أن زوجته تركت له رداءً مسموماً قاتلاً لغيرتها عليه. الحقيقية أن القصة تروي للأطفال خطر الغيرة! وليس فيها أية سعادة.

هل على الأطفال أن يسعدوا طوال الوقت؟ أم عليهم الشعور بالخوف من حين الى آخر! طبعا، عليهم الشعور بالخوف، لأنه الشعور الوحيد الذي سيجعلهم يفهمون العالم الذي سيواجهون غدا. أما عن قصة سندريلا، فقد تم تمزيقها تمزيقاً، وهي قصة الإخوة “غراي”، غير تلك التي عرضتها ديزني، في الحقيقية، وصلت غيرة وحقد أخوات سندريلا منها ‘لكي يلبسن نفس الحذاء’ بقطع أصابع وعقب أرجلهن، وادخالها في الحذاء بكل تلك الدماء.

ولكذبهن، تمت معاقبتهن، لكن كيف؟ تم وضع الغربان لكي ينقروا أعينهن. ما رأيكم؟ أليسَ هذا أجمل بكثير؟ (أمزح).