فادي عمروش
فادي عمروش

د

قراءة في كتاب “مدمن تسويق”

أصبح التسويق من أكثر مجالات العمل طلباً في الوقت الراهن، ليس ذلك فحسب؛ بل أضحى محلّ اهتمام الكثير من الشّباب المقبل على سوق العمل أو الراغب في تنمية مهاراته واكتساب معارف جديدة، ولذلك فإنّ الحديث عن التسويق وأدواته أحد أكثر المواضيع رواجاً في المواقع الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.

 كما تزخر مؤسّسات التدريب ببرامج ومساقات التّسويق المختلفة والتي تصنّف في الغالب على أنّها الأكثر رواجاً والتحاقاً من قبل الطّلاب، ولهذا فإنه من الطبيعيّ أن تجد آلاف المصادر عندما تودّ البحث عمّا يقدّم لك معلومات حول التسويق للتعرّف عليه والبدء بتعلّمه.

لكنّ ذلك ليس إيجابيّاً بالمطلق، فكثرة المصادر ربّما تشكّل عائقاً أمام المتعلّم لما ينتج عنها من تشتّت وضياع وخاصّة لأولئك المبتدئين الذين يحتاجون للمفاتيح الأوليّة في عمليّة التعلّم.

وفي خضمّ الكلام السّابق يُطلُّ علينا الكاتب “رامي عيسى” من خلال كتابه الشائق”مدمن تسويق“، حصل رامي على بكالوريوس إدارة أعمال-قسم تسويق، كما يعمل مع عشرات الشركات في قطاع الأعمال الخليجي كمستشار تسويقي، رامي شخص عملي وعلمي واجتاز اختبارات فيسبوك فكان أحد الخبراء التسويقيين والمدرّبين المعتمدين من فيسبوك.

أراد رامي أن يكون كتابه دليلاً عامّاً وشاملاً لجميع من يريد الدخول لعالم التسويق ولا يعرف من أين يبدأ، يتميّز الكتاب بكونه دليلاً عمليّاً في أساسيّات التّسويق بعيداً عن السّرد النظريّ والأسلوب الأكاديميّ في الطّرح، فالكاتب معروفٌ بطريقته الصّريحة في طرح الأفكار وتسمية الأشياء بمسمّياتها بعيداً عن التجميل والتزيين، وهذا ملموس في نصائحه الصّريحة والمباشرة التي طرحها في كتابه “مدمن توظيف” الذي صدر مسبقاً.

وممّا بات معروفاً اليوم أنّ ظهور وسائل التواصل الاجتماعيّ قد غيّر شكل التسويق تغييراً جذريّاً عمّا كان عليه في السّابق، وهذا ما دفع “عيسى” لتأليف هذا الكتاب الذي عمد أن يكون طرحاً جديداً لمفهوم التّسويق المتجدّد وهذا ما أوضحه في مقدّمة كتابه:

“لذا بدأت منذُ عامٍ تقريباً بتحضير المسوّدة الأولى لكتابي هذا، أشرح من خلاله أساسيّات التّسويق، بعيداً عن التّقيُّد بثوابت التسويق القديمة التي لم أعُد أراها مناسبةً لروح العصر ورشاقة التّسويق.”

ومن هذا المنطلق فإنّ الكاتب يسعى لإصدار نسخة مُحدّثة عن الكتاب بشكل سنويّ ليواكب التغيّرات المتسارعة في عالم التسويق.

يتميّز الكتاب بالنفس الإبداعي الذي يختلف في طريقة عرضه وطرحه عن باقي الكتب التخصصية في مجال التسويق:

1. كتاب بلغة سهلة: يتميّز الكتاب بلغته البسيطة وسهولة فهمها من الجميع، ولذلك فإنّ الأفكار التي يحتويها يمكن استيعابها ببساطة لأنّه تجنّب التّعقيد بشكل رائع.

2. كتاب سلس ومختصر: على الرّغم من أنّ معلومات الكتاب متنوّعة ومفيدة إلّا أنّه لا يستهلك من القارئ الكثير من الوقت والجهد، إذ يمكن قراءته في غضون ساعات قليلة مع الاستمتاع أثناء القراءة.

3. كتاب خفيف الظّل: الأسلوب الكوميدي واضح في الكتاب من خلال عبارات الكاتب الطّريفة التي يوردها بين الفقرة والأخرى من قبيل: “كيف تُمسك فريستك بسهولة” أو “يجب معرفة كلّ شيء عن العميل حتى مقاس حذائه”!

وعلى الرغم من فكاهية العبارات السّابقة إلا أنها ذات مدلولات حقيقية يعنيها الكاتب وليست لمجرّد إضافة منكّهات للكتاب.

4. الكتاب يقدّم خارطة طريق فقط: يشير الكاتب على الغلاف بأنّ الكتاب موجّه للمبتدئين، بمعنى أنّه عبارة عن دليل أو مجموعة من المفاتيح التي يمكن استخدامها لفكّ الغموض حول علم التّسويق، ولكنّه لا يتعمّق بأي فكرة إلى حدّ كبير وإنّما يترك ذلك للقارئ بعد مساعدته في معرفة الأساسيّات التي لا غنى عنها في تعلّم التسويق،.

أي يمكن اعتبار الكتاب دليلاً كافياً لأصحاب العمل الذين لا يهتمّون بدراسة التّسويق دراسة كافية، وإنّما غايتهم تثقيف أنفسهم بما لا يسعهم جهله حول هذا العلم.

يبدأ رامي كتابه بتعريف التّسويق تعريفاً مختلفاً عمّا نجده في كتب التسويق المتنوعة، إذ يُعرّفه بكونه “علاقة حبٍّ بين الشركة والعميل” ويتبيّن من خلال هذا التّعريف الطرح في الكتاب ومدى واقعيّة الكاتب فيه وقرب لغة الكتاب من سوق العمل، ثمّ يقسّم عناصر التسويق من وجهة نظره إلى خمسة عناصر هي العميل والعلامة التجارية والمنتَج والعلاقة والسّوق، ويشرح في هذا الإصدار كلّاً من العميل والمنتج والعلاقة بمفاهيم جديدة وفق الآتي:

أولاً: العميل

يصف الكاتب العميل بأنه الشخص الذي لديه الرغبة في الشراء مع توفّر المال اللازم لذلك، لكنّه يركّزُ كذلك على مفهوم “نصف العميل” الذي لم يكن يحظى بأيّ اهتمامٍ في السّابق، وهو الذي تتوافر فيه إحدى صفتي العميل دون الأخرى، ومن هذا يركّز على الاهتمام بأنصاف العملاء لمحاولة كسبهم وتحويلهم إلى عملاء مستقبليين، ولذلك فإنّه يقسّم العملاء وفق مصفوفة جميلة إلى أربعة أنواع:

 ويخلص إلى التّركيز على استهداف العملاء وأنصاف العملاء بمجموعة من الطّرق التي قام باستعراضها، ثمّ يشير إلى تجاهل “الزّبون المتفرّج” الذي لا يمتلك أي صفة من مواصفات العملاء.

يتابع بعدها الحديث عن تقسيم السّوق إلى شرائح متنوّعة على أسس متعدّدة لسهولة الإستهداف، ويُؤكّد في ذلك على التّركيز بشكل أساسي على السّوق ذي الفرصة الأكبر والأقرب احتمالاً في عمليّة الشّراء، ويستعرض أهميّة تقسيم العملاء إلى شرائح متعدّدة أيضاً ومعرفة كل شيء عنهم وذلك للتّفاعل معهم بشكل يضمن لنا الوصول لأفضل النتائج من عمليّة التسويق.

 يشير الكتاب إلى أنّ التّفاعل مع العملاء أصبح مختلفاً عمّا كان عليه قبل انتشار وسائل التّواصل الاجتماعيّ، إذ كان التفاعل مع العملاء ذا طابعٍ جماعيّ، بمعنى أنّ العملاء منقسمون ضمن مجموعات متشابهة، إلا أنّ وسائل التواصل جعلت من كلِّ عميل حالة خاصّة لديها حاجات مختلفة عن الآخرين مما يستوجب التّفاعل معها بأساليب وطرق جديدة.

ثانياً: المنتج

يسهب الكاتب في الحديث حول مفهوم المنتج بشكله الجديد المختلف عمّا هو راسخ في أذهاننا من كون المنتج مجرّد سلعة تقوم الشّركة ببيعها، إذ يتطرّق لأنواع المنتجات التي تقدّمها الشّركات والتي قد تكون سلع أو خدمات أو أفكار أو معلومات أو حتى نشاطات وغيرها.

 ينبغي على الشركات أن تبيع حلولاً لا منتجاتٍ فقط، بمعنى أنّ الشّركة بحاجة لأن تُشعِر العميل بمشكلته ثمّ تقدّم منتجاتها كحلول لهذه المشكلة، ولهذه الحلول مجموعة من البدائل التي يطرحها المنافسون بكلّ تأكيد، لذلك يجب على الشّركة أن تتأكّد أيضاً من أنّ لديها أفضل حل وأفضل بديل ضمن المنافسة الشّرسة والخيارات الكثيرة المتاحة للعملاء.

يتابع الكاتب الحديث عن صفات المنتج الحديثة وهي:

1. لا يكفي أن يكون المنتج جيّداً

يعتبر الكاتب أنّ الجودة وحدها ليست ميزة في هذه الأيّام، بل إنّ جودة المنتج هي الحدّ الأدنى من المواصفات التي تجعله مقبولاً!

لذلك فإنّه يطرح فكرة الجودة الإضافيّة، بمعنى أنّ المنتج ذو الجودة العالية هو المنتج الذي نصنّفه بأنّه جيّد بنسبة 100%، ولكنّ المنتج المتميّز هو المنتج الذي أصبح يُعرف بنسبة 110%، أي الذي يحتوي على مواصفات وخدمات إضافيّة تجعله يتفوّق على غيره من منتجات المنافسين.

2. الجودة مزيج متداخل من العناصر

يعتبر الكاتب أنّ الجودة ليست عنصراً وحيداً بحدّ ذاتها بل إنّها مركّب ينطوي على مزيج من سبعة عناصر يجب تحليلها بدقّة والاهتمام برفع مستواها كي يتمكّن الزّبون من التأكّد من جودة المنتج، وهذه العناصر السّبعة هي: الأداء، المميّزات، الجماليّة، التّوافقيّة، الموثوقيّة، المتانة والخدمة.

3. المنتجات دون خدمات أصبحت من الماضي

يؤكّد الكاتب على أنّ أحد أهمّ صفات المنتجات الحديثة هي الخدمات المرافقة لها، والتي ينبغي على الشّركات أن تقدّمها للزّبون كإضافات على المنتجات التي يقوم بشرائها، وقد تكون هذه الخدمات قبل أو أثناء البيع كخدمات النّقل والتركيب، أو بعد البيع كخدمات الضّمان والصّيانة.

4. المنتجات بحاجة لمنتجات مكمّلة كذلك

لا يمكن بيع منتجات بحاجة لمنتجات أخرى مكمّلة بشكل منفرد وترك عمليّة الحصول على المنتج المكمّل على كاهل الزّبون، لذلك فإنّ على الشركة الاهتمام بالمنتجات المكمّلة كتأمين أحبار الطّابعات مع آلات الطّباعة عند البيع، ولهذا الأمر أهميّة بالغة في عمليّة التسعير وحساب الأرباح.

ثالثاً: العلاقة

يتناول الكاتب العلاقة بمفهومها التّسويقي، أي العلاقة بين الشّركة والزّبائن، وهذا المفهوم هو ما ينطوي عليه التّسويق بشكل دقيق، إذ أنّ تعريف الكاتب للتّسويق منذ البداية يؤكّد على أنّه علاقة بين العميل والشّركة، لذلك نجد أنّ الكاتب قد أولى مفهوم العلاقة القسم الأكبر من الكتاب، وقد تحدّث في هذا القسم بشكل رئيسي حول الإعلانات وطرق الإستهداف وميزانيّة الحملات التسويقية وطرق تسعير المنتجات.

1. الإعلانات

الإعلانات هي الجزء الأساسي من أي خطة تسويقية لذلك لا يمكن تجاهلها على الإطلاق أو التوقّف عند تكاليفها العالية لما لها من أهميّة في زيادة شهرة العلامة التجارية وتنشيط المبيعات والتعريف بالمنتجات الجديدة التي أطلقتها الشّركة، لذلك فمن المهم التركيز على الاستمرار في الإعلانات على مدار العام وتكرار الرسائل التسويقية بالطّرق الملائمة.

2. طريقة الاستهداف

يشير الكاتب إلى أربع عناصر رئيسية يجب التركيز عليها قبل نشر أي إعلان وهي الرسالة التسويقية الواضحة والتي نريد من العميل أن يفهمها بعد مشاهدته الإعلان، وطريقة لفت انتباه العميل التي يجب أن تتناسق مع الرسالة التسويقية والتي أصبحت اليوم صعبة للغاية في ظل انتباه العميل المشتّت بين منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.

أمَّا العنصر الثالث هو معرفة الجمهور حتى يكون الإستهداف صحيحاً ولا تذهب الإعلانات سدى، وأخيراً ماذا نريد من العميل، بمعنى أنّنا بحاجة لجعل العميل يتخذ بمجموعة من الاجراءات المهمة بالنسبة لنا والتي تنتهي بعملية الشراء وهو الهدف الأساسي للشّركة.

ويركّز الكاتب بشكل عام على أنّ الإعلانات يجب أن تحمل رسالة تسويقية واحدة كي لا يتشتّت الزبون في الاختيار بين المنتجات، إذ أنّ الإعلانات يجب أن ترتكز على هدف وحيد وهو شراء منتج معيّن، كما أنّها يجب أن تكون على مستوى جيّد من التّرتيب والتّصميم الملائمين كي تلفت انتباه الأشخاص المستهدفين.

3. ميزانيّة الحملات التسويقية

يشير الكاتب إلى طرق متعدّدة في تحديد الميزانية التسويقية، لكنّه يطرح طريقة خاصّة هي الأجدى من وجهة نظره، وهي طريقة “رجل المبيعات” التي يمكن التعرّف إليها أكثر من خلال الكتاب.

4. التّسعير

أولى الكاتب موضوع التّسعير اهتماماً ملحوظاً لأهميّته البالغة في عمليّة تسويق وبيع المنتجات، وبرغم أنّه طرح العديد من استراتيجيّات التسعير ومنها بعض الاستراتيجيّات المعروفة، وأخرى يراها الكاتب مهمة من وجهة نظره، إلّا أنّه يركّز على فكرة أساسية في عمليّة التسعير وهي “تسعير المنتج وفق السّعر المناسب للعميل قبل أيّ اعتبار” وبرغم من أنّ الأمر يبدو غريباً بعض الشيء إلا أنّ الكاتب يشرح هذه الاستراتيجية بشكل مقنع مع أمثلة واقعيّة لشركات عالميّة.

يسرد رامي في نهاية الكتاب بعض الأفكار الهامّة كالتّسويق بالمحتوى وما له من أهميّة في الوصول السّريع للعملاء المطلوبين، كما يبيّن أهميّة العروض التسويقية في جذب المزيد من الزّبائن وتنشيط حركة المبيعات، ويوضّح مجموعة أخرى من المفاهيم الهامّة التي لابدّ من التعرّف إليها خلال رحلة التعلّم التسويقية.

ختاماً

يعد الكتاب وجبة خفيفة يستطيع تناولها مبتدئو التسويق متى قرروا ذلك، فالبساطة والسلاسة نابعة من رغبة الكاتب في إيصال الأفكار التسويقية لكل الراغبين بالتعلم بغض النظر عن الدرجة العلمية وعدد سنين الخبرة.