محمد حسن شوفان
محمد حسن شوفان

د

ما ليس بالحسبان..

غطى الشاب الثلاثيني رأسه جيداً وهو يحاول أن ينام. فالجو كان بارداً. والعواصف الهوائية في الخارج تصفر وتعوي. بدأت تدور برأسه أفكار ما قبل النوم. ويعود إلى ذهنه حديث أخته وعتابها له. فهو لم يزر أمه المريضة منذ أشهر. وبدأ يفكر بالأعذار الكاذبة التي ساقها لأخته عن انشغاله الدائم. وأحس بوخز بالندم وتمنى أن يصلح في الأيام القادمة هذا الحال ويفرغ بعض الوقت من أجل زيارة لأمه.

طافت به الأفكار نحو موقف في العمل. ما زال منذ شهور يؤرقه. فهو كان مضطراً في النهاية. وعلى الرغم من هذا، ما زال وخز الضمير يؤلمه. فالخطأ الذي ارتكبه كان سيخرب عليه سمعته وحياته ويدخله السجن. والفضيحة التي ستطاله -لو اعترف- ما بعدها فضيحة. وهو على كل حال لم يوقِع بأحد عن قصد. وإنما شاءت الظروف أن يشك قاضي التحقيق بزميله! وسارت الأمور كما سارت. وفكر بإعطاء زميله المسجون مبلغاً من المال. حتى يهدأ الضمير ويرتاح البال وتتوقف تلك الأفكار. ولكن المال المدخر بالكاد يكفي لإصلاح الأثاث المهترئ في المنزل منذ سنين..

طافت به الأفكار نحو غلة المحل الذي يعمل به. فهو شراكة بينه وبين أخته. وفكر كيف أنه يعطيها أقل مما هو متفق عليه من دون أن تدري. ويبرر هذا بتعبه وتفانيه في إدارة المحل. وأحس أنه ظلمها هذا الشهر بعض الشيء فلماذا كل هذا الطمع. وقرر تعويضها في الشهر القادم ولو على حسابه.

وبينما تعصف به كل تلك الأفكار مع عواء الهواء وغزارة الأمطار في الخارج، فإذا بصوت قرقعة خفيفة على مقبض الباب. قد تكون زوجته أو ابنته. ولكن ثوان عشر مضت، ولا صوت في الغرفة. إذاً الباب لم يُفتح بالأساس! فما هذا الصوت؟ ظل متسائلاً في نفسه. ألم يك مقبض الباب الذي أصدر الصوت؟ لا بد من النظر لرؤية ما هذا. لكن مهلاً من الممكن أن يكون الهواء قد حرك الباب. غير أن الصوت صدر من قبضة الباب فقط وهو متأكد مما سمع. وبعد، لماذا كل هذه التساؤلات؟ لا بد من قليل من الشجاعة والنظر. وكما يقال وقوع الشر ولا انتظاره!

أزاح الغطاء عن رأسه والتفت للخلف. فإذا برجل مهيب واقف خلفه في الظلام محدق به. طويل الشعر جاحظ العينين, يتقاطر من وجهه الغضب. كان خوف الشاب يفوق تصوره فأغمي عليه على الفور.

ولم يطل هذا الغياب ليعود للواقع مرة أخرى. ويستجمع قواه بلحظة يقين أنه متأكد مما رأى. فهو يعرفه جيداً، ولا فرار من أمر واقع، ولا عودة إلى الماضي ولا رجاء ولا توسل ينفع الآن. فكل شيء كان ليخطر بالبال إلا هذا. ما كان بالحسبان مطلقاً. فنظر إلى الرجل وقال بلهجة استغراب: أنت؟!

فقال الرجل: نعم أنا لماذا هذا الاستغراب.

– عندي أطفال صغار. لمن أتركهم؟

– أولى بك الآن أن تفكر بنفسك وبما ينتظرك.

– لماذا أنا. أنا لم أُعط الوقت الكافي.

– لقد انتهى أجلك. أعطيت كامل وقتك ولا داعي لأذكرك كم أضعت من فرص. وهي ليست مهمتي على أي حال.

– أي وقت ؟ هناك من أُعطوا سنيناً وعمراً. أرجوك انظر إلى أطفالي. كيف سيحييون بعدي وهم تعودوا علي.

– هذا وقتك وكان كافياً لو أنك فعلت ما طُلب منك. هل ترى الآن كم كان بسيطاً. ولكنك ما توقعت مجيئي وهذه هي الحقيقة. ولو جئتك بعد ألف عام لما تغيرت.

قال الشاب: أمهلني ساعة. نصف ساعة أو دقائق وسأصلح كل شيء.

قال الرجل: لن أمهلك طرفة عين. عمرك انتهى والخوف الذي أحسست به عند رؤيتي ليس سوى البداية.

فنزلت دمعة من عين الشاب وقال فلتبدأ.