صالح سالم
صالح سالم

د

مسلسل ماوراء الطبيعة مواجهة بين العلم والميتافيزيقا


    يريد مسلسل ماوراء الطبيعة أن ينقاش الإشكال الميتافيزيقي في حياة البشرية، والعلم التجريبي/الطبيب (رفعت) هو من يناقش هذه الأفكار الميتافيزيقية ، إننا في مواجهة في هذا المسلسل بين العلم التجريبي والميتافيزيقا، هذه المواجهة التي لن تنتهي على مر تاريخ البشرية، وفي مرحلتنا المعاصرة بشكل أكثر جلاء.

ماوراء الطبيعة هي ترجمة للمسلسل بنسخته الإنجليزية Paranormal وهذا يعني توافقًا كبيرا بين الميتافيزيقا بمفهومها الفلسفي والخوارق/الأساطير، فالأساطير تقوم على اللامعقول، اللامنطقي، بل إنها لم تكن أسطورة إلا لأنها ليست منطقية وليست تجريبية، وبالتالي دخلت في إشكال مع العلم التجريبي الذي يعتمده (رفعت) في بحثه عن هذه الأساطير، سواءً في أسطورة (الجاثوم) الذي جربه بنفسه وحاول تقمّصه ليكشف كنْهه، و(سلفيوم) العشبة التي تشفي من الأمراض لكن حارس الكهف الغورولا/الشبح لا يجعلنا نقترب منها، فجرب (رفعت) بنفسه الذهاب إلى الكهف ليقضي على هذا الشبح الذي كان الناس يظنونه روحًا شريرة، فإذا هي غورولا فقدت وليدها داخل الكهف وتريد إعادته إليها، فكانت حارسة للكهف خوفا على وليدها، و(الندّاهة) التي يعتقدون فيها أنها تنادي عليهم عبر الشيخ الذي يشافيهم من أمراضهم، فكشف (رفعت) زيفه بالتجريب بنفسه حينما خاض النهر ليكشف عما يرونه ويسمعونه من الروح الشريرة، فإذا به هذا الشيخ الذي استعمل فتاة لفعل هذه الأساطير والتكسب من ورائهم، هذه مواجهة بين التجريبية العلمية التي ينتهجها العلم في مرحلتنا المعاصرة وبين الأساطير التي آذت البشرية وأخرت تطورهم العلمي.

ما الذي يعنيه أن تُنتج نتفلكس مسلسلين عربيين (ما وراء الطبيعة – جن) كلاهما يدور عن الأرواح الشريرة والأشباح والجن؟! هل هذا يعني تسلط ثقافة الميتافيزيقا على التفكير العربي؟! هل يعني بُعد التفكير العربي عن التجريبية العلمية؟! هل هذا يعني اندماج الفكر العربي بخرافات الأجداد التي توارثوها دون تمحيص علمي؟!

إننا ونحن نفكر في (ماوراء الطبيعة) ينتابنا التفكير في أثر (شيراز) في المسلسل التي لم نعلم شيئا عن تفاصيلها إلا أننا نراها في منامنا وأحلامنا، شيراز التي تمثل أثر وراثة التفكير عمن سبقنا دون تمحيص وبحث علمي! و(خلاويص) اللعبة التي توراثناها ولعبناها بقوانين من سبقونا، ف(خلاويص) ليست لعبة (الغميمة) التي تعرفها العديد من الثقافات، بل هي لعبة قبول الميتافيزيقا عن السابقين دون بحث وتجريب.

ولم تكن ثقافة الميتافيزيقا حصرًا على التفكير العربي، بل تشهد (ماجي) أنها إحدى ثقافاتهم في أوروبا، ويمكن لنا أن نوسع التفكير في الميتافيزيقا حينما نراها في الفلسفة، فتاريخ الفلسفة هو تاريخ الميتافيزيقا، وهذا ما دعا العديد من الفلاسفة المعاصرين إلى إماتة الفلسفة باعتبارها ميتافيزيقا، فالميتافيزيقا عابرة للقارات والثقافات بل والفلسفة، فهي إشكال في التفكير البشري اللاعلمي السابق للعلمية التجريبية.

    ويمكن لنا أن نفكر في التحول من قانون (رفعت) رقم خمسة “لو عقلك لعبك خذه على قد عقله” إلى تعديله لهذا القانون في نهاية المسلسل “لو عقلك لعبك، لاعبه” باعتبار أن اللعب مع العقل هنا هو لعب تحول من مجاراة الميتافيزيقا إلى مواجهتها باللعب، فلا نأخذ عقولنا ميتافيزيقيا بأخذها على قد عقلها الميتافيزيقي، بل نلاعبها حتى نقضي على هذه الميتافيزيقا باللعب التجريبي، فعمل (رفعت) في المسلسل هو اللعب مع الميتافيزيقا بالتجريب.

   والمسلسل يريد أن يبين لنا الصراع مع الميتافيزيقا على عدة أصعدة، فمنها الغوغاء اللاعلميين من الناس الذين كادوا أن يخرموا أذنه بحجة شفائه من (الندّاهة)، وعلى صعيد الطبيب (لويس) الذي يؤمن بالميتافيزيقي ويريد الجمع بين العلم التجريبي والميتافيزيقا، والطبيب (كمال) الذي يريد بحث الميتافيزيقا سيكولوجيا وربطها بالتحليل النفسي، فكل هذه الأصعدة دخلت على خط الميتافيزيقا لمحاولة القبول بها وتأويلها علميًا، إلا أن رفعت لم يكن ممن قبل بهذه الاتجاهات، وفضّل سبيل العلم التجريبي لكشفها.

    يتخذ مسلسل (ماوراء الطبيعة) أهميته من نقده للميتافيزيقا بشتى صورها حتى وإن كانت خرافة وأسطورة، لأن الذي يجمع بين كل اتجاهاتها حتى وإن كانت فلسفية هو عدم إخضاعها للعلم التجريبي، فالعلم (رفعت) الذي سينتصر في نهاية المسلسل، ويتخلص من الموت، بمناصرة (ماجي) الطبيبة/العلم التي حالت بينه وبين الانتحار، فكل ما واجهه في أصعدة الميتافيزيقا جعلته يستسلم للانتحار، لكن العلم/ماجي أنقذته من هذا الانتحار المعرفي، قتل حياة العلم والتطور العلمي، وهنا تكمن أهمية المسلسل.