عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

كيف تكون كاتباً قصصياً؟

هل يمكن أن أصبح يوماً كاتب للقصص والروايات ؟


بليغ حمدي

هذا السؤال الذي طالما راود فكر كثير من الكتاب والصحفيين الذين ينظرون لكتاب الحواديت نظرة بها كثير من الاعجاب وكثير من التعجب أيضاً ، فالبعض يعتقد أن هذا الراوي خياله غير عادي وفي ذات الوقت يمتلك قدرات إعجازية من الصعب أن تصل العقول إليها ، وهناك آخرين يتحدثوا عن ثمة إلهام وسحر يهبط على صاحب القصة مثلما تستدعى المقطوعة الموسيقية وتحلق في السماء فلا يراها إلا ساحر ولا ينظمها إلا مبدع ، حيث قيل بأن الملحن (بليغ حمدي) كان ينسال عليه شلال من الالهام في لحظات محددة وكأنه يسمع دندنات وأفكار تأتي له وحده دوناً عن الجميع وكأن تلك الأنغام الجميلة تختاره هو على وجه الخصوص ، ولذلك قالوا عنه بأنه مجنون في نظمه للألحان ، فقد كان بليغ متمرداً على كل عصره مما أثار إعجاب الموسيقار محمد فوزي الذي قال عنه بأنه أفضل منه ،و كان له الفضل في تقديمه للجمهور وترشيحه لتلحين أغنية أم كلثوم (حب ايه).

الكاتب الروائي والآخرين

إن الكاتب الروائي يختلف عن بقية الكتاب في سعة العقل والقدرة على الابتكار والتخيل ، والمسألة تعد صعبة إلى حد ما بالنسبة للأشخاص العمليين ، وكذلك بالنسبة للماديين الذين يجدون في الأساطير نوعاً من الرفاهية أو الفانتازيا الغير مجدية لأن تلك الفئات ترى في نظرها أن كتابة الحكايات ضياع للوقت والجهد بلا عائد ، ولا يرون أن القصة هي تعبير عن الواقع أو تنفيس عن مكنون الدواخل الإنسانية .

أما الشخصيات الخيالية والحالمين فإنهم يرون الروايات مثل حياتهم التي يعيشونها ، فالقصة تسير بأفراحها وأحزانها وكافة أحداثها مثلما تسير دنيانا ، انها أيام وأيام ، أيام عصيبة وأخرى حالمة وهي تشبه أيضاً أحلامهم وتطلعاتهم إلى المستقبل ، السينما والمسرح ليسوا سوى انعكاس لأحداث واقعية مهما اختلفت النهايات ، فقد يرى أحدهم أن السيناريوهات في الأفلام دائما ما تنتهي نهاية سعيدة مثالية لا تتناسب مع المآسي التي تمر بها حياتنا وهو يبدو محقاً في ذلك لأن كاتب السيناريو ينحرف في غالب الأحوال في سرده للأحداث عن الكتاب الأصلي فيخرج لنا قصة تختلف إلى حد ما عما كتبه الكاتب الأصيل ،ولكن تبقى الفكرة الرئيسية هي الغالبة والهدف الأساسي هو البارز مثل قصة (الطريق المسدود ) للكاتب الشهير (إحسان عبد القدوس) ، فقد اختلف سيناريو الفيلم عن القصة الرئيسية لأن نهاية الفيلم سعيدة ومثالية أكثر من اللازم والواقع يظهر أكثر فساداً وتعقيداً بالنسبة لتلك المباديء التي تتناولها الرواية ، حيث يحاول الكاتب إبراز الفضيلة والرذيلة في المجتمع وكيف يتصارعان في حبكة درامية غاية في الروعة .

ونعود مرة أخرى لكتابة القصص لنعرف كيف يمكن لنا أن نكتب قصة ؟

وللاجابة على هذا السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين من الصحفيين والكتاب فإننا نحتاج أن يكون لدينا عقل يبتكر الأفكار وقدرة على المشاهدة وملاحظة أحوال الناس وأفعالهم ، بالاضافة إلى خيال واسع وجرأة على التجسيد ، بمعنى اننا لا يجب ان نخجل من رسم دور محدد لأحد أفراد المجتمع فليس معنى انك تكتب عن قاتل وتتعاطف معه ان ذلك يوصمك بالاجرام ،وليس شرطا ان تكتب عن فتاة منحرفة كان المجتمع سبباً في انحرافها يكون ذلك سبب لأن يصفك الناس بالانحراف ، يجب ان تكون أكثر شجاعة بأن تقص كل ما يصل اليه خيالك دون خوف فيماعدا ان يكون ذلك الخيال مدعاة للرذيلة ، أو أن يكون فيه تشجيع على الإجرام .

من ناحية أخرى يجب أن تكون بسيطاً ومنفتحاً ، وأن تتقبل كل أوجه النقد والهجوم لأنك في النهاية تعد راوياً للأحداث ومبتكراُ للأفكار وطالما أنت تحكي عن الناس وللناس فأنت معهم وليس عليك سوى أن ترضى بالنتيجة مهما كانت مخالفة لأحلامك ، فقد قبل المطرب عبد الحليم حافظ التحدي عندما رفضه الجمهور في بداياته وطلبوا منه الانصراف من كازينو الشاطبي بعد أغنيته الشهيرة ( صافيني مرة) حيث استطاع ان يكتم دموعه وغضبه ليستكمل الطريق وقد كان يمتلك طموح وتمرد جعله يسير ثابتا ويتخذ من هذا الحدث فرصة للتحدي والنجاح ، فكانت النهاية أن يصبح حليم هو أشهر مطرب لكل العصور.