ملاك العامري
ملاك العامري

د

كقطعةِ نرد

وجوه مختلفة لكنها قطعه واحدة، هكذا استطعت تفسير آلام الاخرين والمواقف التي تختلف حِدّة وجعها من شخص لآخر.. تختلف لكنها في النهاية ألم واحد وشرخ واحد في قلوبهم لا يمحيه شي.
اكتب الآن؛ لأنني شاهدت هذه المعاناة في أعين صديقاتي في لقائنا الأخير، وفي أعين العابرين أمامي في الأماكن العامة، وفي صالات الانتظار، في المصاعد، وعند إشاراة المرور، لا احد يشرح ما هي العواصف التي تخفق داخله الجميع ينضج إلى درجة الصمت، باعتقادهم أنهم لم يعثروا بعد على تلك الكلمات التي تصف معاناتهم، ولا يوجد أحد يستطيع فهمهم على وجه الدقة، الجميع يتألم ولا يفصح ذلك لا يريد سماع نفسه في حروف الآخرين في كلماتهم المتقطعة، الكل غارق، وأنت أيضًا تغرق في ألمك ولا تبحث عن طوق النجاة، وتظن أنك الوحيد الذي يتألم في هذه اللحظة، بينما في الضفة المقابلة من العالم من لا يفهم وعورة لغتك، ولا أسلوب حياتك، لكن بشكل بالغ الدقة يستطيع الإحساس بك بذات الألم، ستقرأ نفسك في القصائد وكلمات الأغاني والمعزوفات والروايات والأفلام..
لماذا؟ لأن تلك القصص والمعاناة مستوحاة من واقعك الذي تجوب فيه معتقدًا أنك وحيدًا، بعد أن تقرأ نفسك في انقطاعات الموت لساراماغو وقصائد ايميل سيوران وتشعر أنك المقصود بها، عندما تستمع لكلمات أغنية وهي تقول (ما بين شلون وايه ولا تعبت وحارت افكاري) تشعر أنك المعني بتلك الأغنية، أو عندما تشاهد فلم شاوشنك وتفهم ألم أبطاله، وتعيش في أعماق حواراتهم، حينما تستمع لمعزوفات شوبان وتغوص فيها أو لأغنية (يا ما دمعي في المحاجر خاف من صدق الوعيد) وكأنك أنت من كتب كلماتها، اكتب لأنني كتبت نصًا ما، لم أكن أعني شيء، مجرد كلمات لكن استقبلت العديد من التعليقات المؤلمة من أصدقائي وأقاربي لأنني بطريقة ما ودون حساب لمست جراحهم وربما أيقظتها في أولئك الذين لا يتكلمون إنهم يصمتون لكنهم يمرون بآلام مختلفة دون مشاركتها لأحد، دون التعبيرعنها.
لذا أنا هنا لأقول: إنك لست وحيدًا يا صديقي، هذا الحزن لا يؤلمك وحدك، هذه الذاكرة الصلبة أيضًا لا تسكنك وحدك، وتفاوت الأشياء وشدها وجذبها لا يحدث معك وحدك، انكساراتك، جراحك النازفة، تقوّس ظهرك وانزمام شفتيك، حنينك وانقباضات صدرك، لست وحدك.. آلامنا كقطعة نرد كل وجه مختلف لكنها في النهاية قطعة واحده، في النهاية ألمٌ واحد.

ملاك العامري

31-8-2018

جدة.