ياسمين غُبارة
ياسمين غُبارة

د

قوة الألم

تستفزني كثيرًا تلك الصفة الأصيلة فى الإنسان، ألا وهى النسيان
نسيان حقيقة فقرى واحتياجي، نسيان لحظة تمنيت فيها أكثر ما تمنيت، فقط أن يزول ألم أسناني، لحظة تتركز فيها كل الشكوى والمعاناة على ألمٍ في جزءٍ ما من الجسد ، لحظة يمر بها الإنسان فلا يضجر ولا يستاء من أى شىءٍ حوله، ولا يتمنى إلا زوال الألم.
الألم نعمةٌ أحيانًا، يجمع فكرك وروحك على هدفٍ واحدٍ، يرحمك من ذلك القلق والفكر والتشتت بين ما فات وما هو قادم

الألم الجسدي يضعك فى نصابك الصحيح، يجعلك تعيش اللحظة .. فقط اللحظة، قد تكون لحظة مؤلمة لا نتمناها ،ولكن عندما تحدث تذكرنا بضعفنا الشديد وتُخمد نار الصخب بداخلنا، فالألم يضع الدنيا فى حجمها الحقيقي أمامك، يُجبرك على الرضا عن كل شىء حولك، ينقى بصرك وبصيرتك من كل الشوائب يُحررك من كل ما بداخلك من حزن وغم وغضب وضجر وغُربه نفسية ،ينقيك من إحساسك القوي بذاتك ليُعيد صفحتك بيضاء ، وبعد انتهاء رحلة الألم تعود لتكتب فيها من جديد على أمل أن تكون الكتابة هذه المرة على السطر، ولكننا سرعان ما ننسى، أولسنا إنسانًا! نعود لأبسط الأشياء وأولها وهو عدم الإحساس بالرضا والتركيز الشديد على المشكلات وحمل الهموم ، همّ ما نحن فيه من أيام وما نحن مقبلين عليه من أحمال، وما مررنا به من استنزاف داخلي؛وننسى أننا فى لحظةٍ سابقةٍ لم نكن نشعر بكل ذلك ولا نراه …فقط نتمنى زوال الألم . أولا يكون الألم إذن نقمه تحمل فى طيّاتها خيرًا كثيرًا ؟!

أتأمل ذلك الداخل العجيب للإنسان الذي يبذل جهدًا ليتذكر، ليكون شاكرًا فى حين أنه يشعر بشكل لا إرادى وبكل سهولة بالضجر والهم والتيه فكيف نمر بكل ما نمر به من آلام ثم نعود لننسى؟!كيف تُمسَح ابتسامة الرضا التى تملأ نفوسنا وملامحنا بعد انقشاع كل غُمّة ثم نعود لذلك الوجوم والحزن، وما الحل؟

هل نكتب ورقة عليها ما مررنا به ونضعها أمامنا حتى نتذكر ونبقى على السطر دونما اعوجاج؟ أم نطلب من صديق أو قريب أن يذكرنا كلما رآنا نتهاوى فى حفر الوهم؟ أم نبتدع طقسًا نقوم به كل يوم ليذكرنا ويقينا من الاحساس بالضيق والضجر لعل أنفسنا تهمد وتخفت وتتوقف عن ضرب رأسها فى الحائط ! ..أو نستسلم و نترك نفوسنا لخالقنا بكل ما فيها من اعوجاج كالابن المراهق الذى نعجز أمام تمرده وموجه الهادر فيهدينا إحساسنا أحيانًا إلى أن نتركه تمامًا ونستسلم له لعل ذلك الاستسلام يُهدّىء ما بداخله ويجعله يستكين و يعود إلى هيئته الأولى.

هل هناك من وصول أم أنها حرب طويلة من كرّ وفر ؟و هل الوصول هو التوقف عن الحرب بين الرضا والسخط أم أن استمرار المقاومة هو الهدف من الحياة ؟!