سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

في دايرة الرحلة

(في دايرة الرحلة) أغنية كنت أتجنب سماعها عندما كنت صغيرة، هي والكثير من الأغاني التي كانت تسبب لي الإحباط والاكتئاب، ظناً مني_وقتها_ أن تلك الأغاني هي المسبب الوحيد للخيبة وفقدان الأمل.

وقتها كانت أكبر مخاوفي أن أسمع جملة تسبب لي ضيق عندما أفكر في معانيها التي فهمت بعضها والبعض الآخر ظل لغز حتى وقت قريب، بالرغم من مصاعب الحياة العادية بين الصغار وما كنا نعانيه وما نتعرض له، لكن كلمات تلك الأغاني كانت تفتح لي عالماً آخر غير الذي كنت أعاني منه وقتها، عالماً أكثر كآبة وغموض مما جعلها مخيفة آلاف المرات عن عالمي الحقيقي.

كبرت وفهمت المعاني التي استعصت على فهمي قديماً، وفهمت أن كل كلمات الأغاني في العالم غير مؤذية على الإطلاق. نكرهها لأنها تلمس قلوبنا وتذكرنا بحالنا ولحظاتنا التي نود نسيانها، أو لا نستطيع نسيانها. فقط هي هنا لتؤكد على مرارة الجراح لكنها لا تجرح ولا تكون البادية، هي هنا فقط للتذكرة.

وعندما كبرت انتقلت من تجنب الأغاني لتجنب أشياء آخرى. فصرت لا أفهم تمني الناس البقاء مع بعضهم البعض للنهاية وأن يمر كل عام بدون أن نترك بعضنا البعض، وكم تمنيت معهم هذه الأمنية، بالرغم من علمي بإستحالة تحققها. تمنينا أن يظل حالنا على ما هو عليه، مع تأكدنا التام أن دوام الحال من المحال، لكننا لا نكف عن التمنى.

نتمنى طيلة الوقت، وفي الغالب نتمنى ما لا نستطيع تحقيقه، وفي حالة الأماني الممكنة، نبدأ بعدها في التفكير في الأمنية وإذا كانت تستحق ما فعلناه، ثم نبدأ في البحث عن ما هو آت لنعوض الأحساس بالخواء الذي قد يعتري البعض منا بعد وصوله لمبتغاه.

كما كان حال البطلة في فيلم ثلاثة آلاف عام من الشوق، التي ظهر لها جني يعرض عليها ثلاثة أمنيات، لترفض البطلة كل شيء في سبيل الحصول على الحب والونس للفترة المتبقية لها، غير عابئة بالأماني وبأي عرض. فقط أن تشعر بما لم تستطع أن تشعر به من خلال نجحاتها أو أموالها ولا كل المتع الدنيوية التي عرض عليها الجني تحقيقها، وقد كان لها ما أرادت.

في نهاية الرحلة لا أقول أن الأموال غير هامة، ولا أن النجاح لا يرقى لأن يكون من مسببات السعادة، ولكن ما نشعر به وما يؤثر فينا ويشكلنا هو الأهم على الإطلاق، في النهاية ستخلو بنا الطرق حتماً سوى من ذكرياتنا وما شعرنا به ليؤنسنا حتى نهاية الطريق.