المصطفى الحطابي
المصطفى الحطابي

د

فن الكلمة و عفن موضة الأغنية التجارية


كتابة الكلمات، كنوع من الفنون، يعطي رونقا خاصا للأغنية، يدرج الكثير من الرسائل، التي تتمثل في عبقرية الكاتب، كنت أود أن أكتب الكلمات، كان حلمي الذي حاولت الغوص فيه، فشلت ربما لأني لم أستوعب النمط الحاضر، فعندما أسئل أي مؤدي أو مغني، ما الموضوع الذي تراه جدير بالتكلم عنه، الكثير من الشباب يجيبني أريد أغاني تجاري، كبعض الشرذمة منهم، بالمقارنة مع قديما كان تذوق للكلمات، أما ما يضيفه اللحن الموزون لها تصبح هي الروعة، بل هي الخلود لصاحبها، أما الآن مع البرامج يسهل وضع ضجيج منظم للمخربشات.

فمثلا لسهولة كتابة الأغنية الحديثة، التي تضر المرأة و المجتمع في أذنه و أخلاقه، كأن أكتب ” خربقتيني ” في  أخر أول سطر ثم أخر السطر الثاني ” سطتيني ” ثم الثاني ” فروحتيني ” إلى الأخير ” هبلتيني ” فتصبح الأغنية كلعبة أي كلمة تضيفها في الأول أو الوسط يمكن أن تصلح للدندنة، و المشكلة أنه أصبح تكتب على النغمة، أن يأتي اللحن قبل الكلمة، ليس كالسابق عندما كان الكاتب يعطي كل كلمة حقها، كنا و مازلت مبهورا بأغنية ” رحيلة للمبدع الحياني ” أو ” قطار الحياة لعبد الهادي بالخياط ” مزيد من التألق الذي أبهر الكثير، بل هؤلاء هم الرواد، ليس من قاموا أفسدوا شبابنا.

فتلك الأغاني المرمية و سريعة النسيان، التي لا تصل لثقافتنا بصلة، و يكرم صاحبها الذي لا صوت له، عفنه أصابنا بالاشمئزاز، ك ” فكرونة ” و ” مشماش مشماش ” ثم ” فرويحة ” لسهولة كتابة أي كلمة و دمجها مع كلمة أخرى، لتصل إلى كلام الشارع، فالفن هو الرقي بالشعب، أما إن أصبح الفن عفن، فلا مكان للتطوير الثقافي، فأغاني الفطاحل الكبار تذهب بك إلى عالم أخر، لا تعود منه.

نتوقف قليلا، لا يجتمع الفن مع المال، و إن اجتمعا فهذه تجارة، لا ثمن لأحاسيسك، هنا الفرق بين الغناء و الطرب، أن نطرب شخصا هي أن يستمتع الأول و الثاني بما يسمع الثاني و بما يطرب الأول، أما الغناء يعني الأداء، هنا يسهل كل شيء لأي أحد يغني في الحمام، أو في البار، لا يهم، لنرقى بكلماتنا.

نريد فن نرقى به، و ليس عفن.

في زمننا … الذي أصبح معيار أخر للغناء، بل لكل ما نسمع من ضجيج، فمن يدعون أنهم مغنيين، ليتبرأ النغم و الطرب منهم، يصبح كلامهم ” تخربيق ” و لحنهم ” تخربيق “، نفس اللحن لكلمات دون معنى أو ترابط أفكار، مواضع تافه.

أتأسف … لأن بعض الخرفان تتبع موجات غنائية، ما يسمنوها بأغاني الكلينيكس، التي تصنع لسمع واحد أو مسح واحد للمؤخرات، فيقلدونهم دون وعي في رقصهم، الذي لا يمد للرقص بصلة، حركات عشوائية يفعلها أغبياء، لا محل لها من الإعراب، أعتبر الأقلية الكثيرة الجاهلة لمعنى أن تطرب أو تستمتع بأغنية، فالطرب هو ما أطرب الأذن و العقل، ليس ما جرح الحياء العام، بل ما علم جيلا الكلام الفاحش، الذي يرميهم إلى الانحلال الأخلاقي.

أغلبهم يذهب مع اللحن الغربي للأغنية، أو ما يظهر مجموعة من المتأزمين جنسيا، فتيات يرقصن –  لأن الأنثى أخطر وسيلة إعلامية لصيد الجمهور الجنسي – دون وعي بمعنى العام للأغنية، كل هذا يحصل بسبب الإعلام الفاحش، و التعليم الذي أصبح بلا تربية، ليغيب الوعي، و الإدراك الحقيق لمعنى ما يسمعه المتلقي، دون إدراك بثقافة الشعب الأخر، لتساهم الدولة في تهديم الشباب، فتكرم مترجم أغنية، رغم أن هناك كاتب و عالم ثم مترجم رواية هادفة، يحتاجون دعما أكثر، حتى يستطيعوا تربية أجيالا على الوعي أولا ثم التربية، فيصبح لنا تاريخ …

لا بأس … أن نبكي كثيرا أو قليلا على وطننا المغتصب علانية و سرا، فتراكمات الأكاذيب، و الماضي الجميل، يجعلنا متحسرين علينا، لا فن و لا هوية لشباب غنى ” الزيط الريط “.