سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

عن الغريب الذي بداخلنا

كقمة الجبل الجليدي فوق الماء نظهر بعض السمات والصفات، ونمارس بعض الأفعال على حسب المواقف وعلى حسب الشخص ذاته؛ فلا نتصرف بطبيعتنا في كل الأحوال وهو شيء طبيعي تماماً ومعتاد.

وكما ذكرت مؤخراً ريم حجاب في رسالتها (رسالة إلى بابا) المنشورة بجريدة “أخبار الأدب” عن نقاش لها مع والدها الراحل (الشاعر سيد حجاب) عن فيلم حكايات الغريب، وعن رؤية الجميع المختلفة للغريب وعن كون الجميع مثله بشكل أو بآخر غرباء، أتفق تماماً مع رؤيته للغريب ورؤيته للبشر من هذا المنظور. نحمل بداخلنا الكثير من التناقضات والتنوع، ولكن لا يظهر هذا بوضوح أبداً.

نفاجئ أنفسنا قبل الآخرين، سواء بضعف أو بقوة رد فعلنا وتصرفنا في موقف بعينه، لم نحسب وقتها أننا قادرون على التعامل معه، أو ظننا أننا سنكون أقوى مما وجدنا أنفسنا عليه.

في الفيلم يحكي كل شخص قابل الغريب قصته معه، وكل قصة نجد أنفسنا أمام شخص مختلف تماماً عن الشخص في القصة السابقة، وعن الشخصية الرئيسية التي وصفها أهله وأقرب الأقربين منه.

لبعض الوقت ظن متتبعوا الغريب أن البعض يبالغ أو يخرف، أو يتحدث عن بطولات مصطنعة بسبب حماس المرحلة، وحماس وحمية من كان شاهد على ما حدث. تغير رأي البعض والبعض أبقى على فكرة أن كل تلك القصص لا تمثل نفس الشخص المفقود. ومن وجهة نظري الشخصية لم أرى أي القصص مصطنعة، أو ملفقة أو مبالغ فيها.

فقط يحكي كل منهم عن ما رأه وعن الجانب الذي تكشف له أثناء لقاءه بالغريب، وعليه نبني قصة كاملة بناء على لمحة عابرة.

ولا يفعل هذا بعضنا ويمتنع البعض، كلنا نضع تصوراتنا قبل الحقائق ونضع ما نريد ونأمل الحصول عليه على ما أعجبنا من الطرف المقابل ونبني ما نتخيله الحقيقة، بينما في الواقع لا توجد حقيقة، ولا قصة واحدة مؤكدة، ولا شخصية واحدة قد نستطيع حصر الشخص فيها لنكمل أحلامنا أو لنبحث عنه من خلالها.

لم يكذب أحد الرواه، كما لم نخطئ نحن عندما لم نظهر أكثر من قمة الجبل الجليدي، ولم نكذب أو نتصنع عندما فعلنا ما هو متناقض مع عشنا نمارسه طيلة حيواتنا.

تمر بنا الأيام والسنين، ونتغير ونتبدل فلا يبقى من شخصنا القديم سوى بعض العادات والذكريات، ليسطير الغريب الذي بداخلنا على شخصنا القديم وكل ما يتعلق به.