سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

طواحين الهواء

بعد الكثير من الوقت في إختيار المعارك التي يجب علي خوضها، وما يجب علي تجنبها، أصبحت في نهاية المطاف أميل للإبعتاد عن التواصل بكل طرقه وأشكاله.

أجد نفسي بين الحين والآخر أعود لأنخرط في خلافات ونقاشات غير مجدية على الإطلاق مع أشخاص لا جدوى من الحوار معهم، ولكن رغماً عني أجدني في بعض المواقف أستمر في التواصل مع معرفتي السابقة بحماقة ما أفعله، وبالنهاية الحتمية لمثل تلك النقاشات.

في الأصل خلقنا في في جماعات وحياتنا كلها معتمدة على ما نقدمه وما تركه لنا من سبقونا، وما سنتركه نحن لمن بعدنا.
التواصل والاختلاط والمحادثات جزء هام من تكوين أفكارنا وشخصنا، وانفتاحنا على أفكار جديدة وعوالم مختلفة كان ومازال من الأساسيات التي لا يستغني عنها أي إنسان.

لكن مع ظهور العديد من المنصات حول العالم، وإتاحة الفرصة من خلالها لأي شخص كان لأن يعرض أفكاره وأرائه في أي شيء_ بدون أن يكون الشخص على دراية بأي شيء يتعلق بالموضوع نفسه من أجل التفاعل وحب الظهور؛ فبدلاً من الخروج بأفكار منطقية أو نتائج مفيدة للنقاش أو للفكرة التي طرحت ينتهي الحال بنا نمزح ونمرح ونسخر من ما طرح، وتتحول المسألة لجدال بين مجموعة من الأطفال، يحاول كل منهم أن يظهر أنه الأعلى صوتاً والأخف دماً والأكثر تظرفاً.

مجموعة أصبحت تمثل فئة كبيرة تتزايد بشكل مستمر، مع تزايد الجهل بالأساسيات، وعدم البحث أو الاهتمام بالأمر ذاته.

تتحدث أحداهن عن أسرتها التي تستغلها ولا تعاملها كما يجب أن تكون الأسرة، أو عن والدها الذي لم يحبها يوماً. ويتحدث أحدهم عن أمه التي تفضل أخاه عنه وهكذا أمثلة، لنجد معظم التعليقات على ما كتب على المنصات لأشخاص يتحدثون عن حياتهم المثالية وعن عائلتهم التي نزلت رأساً من أعالي الجنان، وعن عدم إمكانية حدوث شيء مثل هذا.

نتحدث عن مشكلة التحرش بالشباب والفتيات على حد سواء، فتجد من يخبرك بأنه لم يتعرض لمثل هذا الموقف بحياته وبالتبعية فما كتب هنا لا يوافق أفكاره وأرائه تبعاً لتجربته المحدودة في الحياة.

حتى الأعمال الفنية التي لا تخاطب الجميع بالضرورة، ولا تمثل الكل بالتأكيد، تجد كل التعليقات عليها أصبحت من منظور شخصي بحت، فكل واحد بدوره يعتقد أن شركة الإنتاج القائمة على العمل أنتجته بغرض تشويه حياته المثاليه وأفكاره العظيمة التي لا تتماشى مع العمل!

بعد كل هذا الهراء وغيره الكثير أخبر نفسي بأنه لا فائدة من الدخول في حوار مع أي من هؤلاء، لأعود مرة أخرى وأتذكر بأنه لا يوجد أي طريق آخر سوى التواصل والنقاش الذي أعرف مسبقاً أنه قد ينتهي كسابقيه، لمعرفتي بأن الطرف الآخر لا يريد أن يتكلم بالفعل، أو يعرف أي معلومة جديدة، أو يدعم من يستحق الدعم.

فقط نبحث عن مواضيع لإضاعة الوقت، ولإظهار صوتنا وأفكارنا التي لم تعد تلائمنا، وربما لنضحك قليلاً على مأسي الآخرين،  حتى نعود لروتيننا اليومي لنستيقظ في الصباح التالي ونكرر الأمر ذاته وأعود أنا لمحاربة طواحين الهواء.