المصطفى الحطابي
المصطفى الحطابي

د

رقص على نغمات الموت

الضحية الثالثة :

في غرفة نومٍ … رجلٌ كبير السن يلبس جلبابا أبيض، مستلقيا على ظهره، تدخل الشرطة، تبدأ تفتيش المكان و محاصرته، أما في الجهة الأخرى هناك شاب مبتسم، ترقص له صديقته الجميلة على ما يعزفه على البيانو، ترقص على نغمات الموت.

تدخل زوجة العجوز المقتول، لتبكي، رغم أن الحقيقة كانت تدعي أنها تبكي، أولاده يدعون الحزن، لنرجع إلى حياة الحاج عبد السلام الضحية الثالثة، هو فقيه في مسجد كبير يلقي الحديث، يتكلم عن الدين، يعطي الموعظة، لكن ليس كل السفن متشابهة، المشكلة الكبيرة أنه شاذ جنسيا، كان يستغل بيته الصغير في المسجد لكي يجلب بعض الصبية الأبرياء ليغتصبهم، دائما على هذا الحال، لكن المشكلة هو أن الطفل لا يقدر على قول ما يحدث له، أما زوجته فكانت تشتكي من بروده الجنسي.

ليست هذه الفاجعة هي وحدها، الآتي أمرّ و أعمق، كان يجمع بعض التبرعات لبناء مساجد أو ترميمها، فيضعها في جيبه، بنا منزلا فخما من التبرعات، و اشترى سيارة الدفع الرباعي، بدلا من ترميم المساجد أو بنائها.

لنرجع إلى الأحداث اللحظية، وجد ميتا مسموما، تم استجواب أفراد عائلته، لم تثبت التهمة على أحد، لأنهم لم يرو أو يسمعوا شيئا، لترمى أوراق القضية ضد مجهول.

الضحية الثانية :

 قبل عشر أيام من مقتل الضحية الثالثة، نجد في باحة الاستراحة رجلا مسنا، مستلقيا على ظهره، لتدخل الشرطة و تبدأ في تفتيش المكان و محاصرته، أما في الجهة الأخرى هناك شاب مبتسم، ترقص له صديقته الجميلة على ما يعزفه على البيانو، ترقص على نغمات الموت، نفس الشاب و نفس الفتاة.

تتمركز الشرطة، ليدخل أحفاده و أبناؤه، الذين استغربوا لموته، لأنه كان معهم، اسمه الحاج الموسى صديق عبد السلام، بناء متقاعد، يسهر كثيرا مع صديقه … يعرف بشحه، لدرجة أنه تسبب في وفاة زوجتيه، بعد رفض إجراء عملية للأولى بداعي الفقر و قلة المال، أما الثانية فقد ماتت و هي تتوجع لأنه لم يستطع أن يشتري لها الدم أو التبرع بدمه، العجيب أنه قطع خلسة أنبوب الغاز في مستشفى لكي يظهر أنها ميتة، و هو لا يريد أن يصرف مالا أكثرا.

من الجهة العميقة، غش في مواد البناء، نقص السلع الخاصة ببناء الدور، حتى المساجد كان ينقص كمية الحديد و الإسمنت ليربح المال فيتقاسموه الثلاثة، فكانت الفاجعة تحطم بناية مات على إثرها الكثير من السكان، فخرج منها بسهولة بالغة، ثم كبر فأصبح من أكبر المقاولين لتزيد ثروته و شحه،

فقد وجد ميتا مسموما، تم استجواب أفراد عائلته، لم تثبت التهمة على أحد، لترمى أوراق القضية ضد مجهول.

الضحية الأولى :

قبل عشر أيام من مقتل الضحية الثانية، نجد في الشرفة رجلا طاعنا في السن، مستلقيا على ظهره، لتدخل الشرطة و تبدأ في تفتيش المكان و محاصرته، أما في الجهة الأخرى هناك شاب مبتسم، ترقص له صديقته الجميلة على ما يعزفه على البيانو، ترقص على نغمات الموت، نفس الشاب و نفس الفتاة.

تبدأ الشرطة باستدعاء الخدم، لتتأكد أنه لم يكن أحد عند خروجهم من بيته الصغير، الذي يقطن فيه لوحده، لم يتزوج بعد، يحب النساء و السهرات داخل بيته، كون ثروته رفقه صديقيه الحاجان – الضحيتين الثالث و الثاني – اسم الحاج مرشدي، و هو سمسار في كل شيء، حتى في النساء و الأطفال، في المباني و أعضاء البشر، فإن طلب منه شيء بمقابل، يجلبه من الفقراء، باع الكثير من الكلي.

هو من استطاع إخراج الضحية الثانية، كان سببا في صفقة المباني، هو من كان يشتري بعض أعضاء الأطفال من الضحية الثالث، مثله من الباقي وجد مسموما، و تم استجواب الخدم، لكن الحال نفس الحال، فرمية الأوراق.

الفاجعة :

سنرجع إلى خمسة عشر سنة قبل الجرائم، يوم بناء أكبر مجمع سكني حيث ساهم فيه الضحايا الثلاث، عندما قرروا أن يبنوه، لرغبتهم في المال و الجشع الكبير، كان نقص في الموارد، غش في البناية، اشترى السكان شققهم، مرت الأيام، لكن ما بني على باطل يسقط، فسقطت ثلاث عمارات من ذاك المجمع.

ماتوا لأنهم أرادوا سكنا يجمعهم، سقطت البناية، مات كل المتواجدين من بينهم عبد اللطيف و زوجته، الذين كانوا ينتظرون ابنهم زهير، تحضير حفل عيد ميلاده العاشر، هذا الأخير صدم ليجد جثت أبويه تحت الحطام.

المنتقم :

كبر الطفل في خيرية، اجتهد في دراسته، لتأتي عائلة ميسورة الحال، و تطلب تبنيه، في ذاك المنزل وجد ما كان يتمنا الحاج و الحاجة، يعاملانه أحسن معاملة، و هناك حفيدتهم بديعة التي كانت تمضي وقتا طويلا معه، تعلم الطب و درس في نفس الوقت المسرح و النحت.

لا تأتي الرياح كما تشتهي السفن، لكن وسط المصيبة ربح كبير، مات الحاج و الحاجة في حادثة ليتركوا زهير وحيدا، بعد أن كتبوا له بيتا صغيرا و تركوا له بعض المال لكي يعمل على مشروعه الخاص.

المشروع :

تَعلم النحت جيدا، أتقن عزف آلات كثيرة و اختراق الأنظمة في الحاسوب، كما أنه درس المسرح، نجح في التعرف على الضحايا الثلاث، كل بصفة و شكل مختلف، لخبرته في التمثيل و صناعة الأقنعة، هذا الفن الذي كان تطورا للنحت، عمل على البحث في أنواع السموم ليجد أن السم الوحيد الذي تزول أثاره من الجسم، هو السيانيد السم القاتل الذي يسبب قصوراً هائلاً في إمداد الخلايا بالأكسجين عن طريق الارتباط بجزيئات الحديد، الذي ينتج عنه شم لرائحة اللوز المر، غثيان و قيء ثم ضيق النفس، سرعة التنفس مع زيادة معدل ضربات القلب، لكن سرعان ما ينخفض معدل التنفس، يليه بكاء السيانيد كنتيجة لتورم الحنجرة بالماء، تشنجات عصبية وقلة معدل التنفس بشدة ثم الموت، ساعة واحدة تكفي للموت.

الطريقة :

كان يتجسس على كل ضحية لوحده، يعلم أين تنام و أوقاتها، ما تحب، ما تكره، يدخل البيت خلسة متنكرا، يقف أمام الضحية يذكره بالفاجعة يبتسم ينفخ عليه غبار السيانيد، ليصاب بأعراضها، يخرج بشكل عادي من المكان، ليتجه إلى بيته فيعزف على البيانو لترقص له بديعة.

الضحية الرابعة :

بعد أن هدأ روعهُ، قرر أن يسلم نفسه للعدالة، فذهب لكنه لم يرد أن يقابل إلا عميد الشرطة، هو من أخرج الثلاثة من السجن دون حساب، كان سبب في دمار شباب كثير، هذا العميد المقامر و المرتشي، رش عليه غبار السيانيد، نفس الأعراض و الأحداث، خروج من مخفر الشرطة بشخصيته المقنعة نزع القناع، ابتسامة ثم رقص على نغمات الموت.

                                                                              النهاية