زينب بروحو
زينب بروحو

د

خدعوك فقالوا -الجزء الثاني- قصّة قصيرة

عدت للبيت… أخبرت زوجتي بقصة مريم لعلي أجد عندها جوابا شافيا… هي “امرأة” كما قالت مريم و ربما أجد عندها ما استعصي علي فهمه…

أحيانا يا أحمد تمر المرأة بحالة نفسية غريبة… ربما تأخر مريم عن الزواج جعلها تظن أن الأمر بسبب الدراسة و العمل

ربما هي لم تدرك أن الزواج رزق كما الصحة و المال… و العاملة تتزوج و المثقفة تتزوج و الامية تتزوج و المريضة تتزوج و المحجبة تتزوج و المنقبة تتزوج و المتبرجة تتزوج و الذكية تتزوج و البليدة تتزوج و الغنية تتزوج و الفقيرة تتزوج… و الصالحة تتزوج و الطالحة تتزوج …. و “مااخطأك لم يكن ليصيبك وماأصابك لم يكن ليخطئك”كما قال حبيبنا صلي الله عليه و سلم

أو ربما هناك عريس “لا يعوض” هههقالتها بمرح كأنها لا تستبعد الامروربما طلب منها التوقف عن العمل …فاختارت العريس… في نهاية المطاف هي كما قالت “امرأة” تعشق ربما …أو ربما تخاف أن تشير إليها الأصابع يوماشاءت أم أبت…أنها “عانس و لم تتزوج“…

أو ربما تعبت من الجري فقط… و تريد أن ترتاح قليلا

و أحيانا كثيرة لا نجد إجابات شافية لقرارات الاخرين…بل و لقراراتنا أيضا يا عزيزي

فهلا توقفت عن التفكير قليلا؟ و ساعدتني على إعداد طاولة العشاء؟؟ والداك سيصلان في أي لحظة… سنحلل لاحقا تلك الرسالة…أعدك بمساعدتك على فهمها…”

تركت الرسالة و مسودة المشروع على المكتب و التحقت بأمل للمطبخ….حضر والداي… و انتشلني وجودهما من التفكير في قصة مريم… بالرغم من أنني كنت أحس أن السهرة قد طالت…فأنا أريد أن أعود للتفكير فيما حصل… أريد أن أفهم…

إن كل ما قالته أمل …ربما يكون صحيحا…لكن…ليست “مريم” من لا تدرك أن الزواج هو قدر… و ليست مريم من تتخلى عن حلمها من أجل الزواج… و ليست مريم من تخاف أن تشار إليها الأصابع بالعنوسة…

أو هل…أنا فقط من ظننت أنها لم تكن كذلك….؟

إذن هل أخطأت أنا أيضا التقدير فيما كانت عليه “مريم”؟؟

انتهت السهرة و أنا بين الحاضرين حينا و بين قصة مريم أحيانا أخرى…. غادر والداي… أردت مساعدة أمل على تنظيف الطاولة… لكنها كانت ذكية كفاية لتنتبه لرغبتي في العودة للمكتب…”لا عليك سأقوم بالتنظيف لوحدي…فليس هناك عمل كثير”

عدت للمكتب …أخرجت مسودة المشروع التي تركتها مريم مع الرسالة… قرأتها بتمعن…..فقد كنت مسؤول القسم المكلف بتطوير محرك الطائرة…

أنهيت قراءة المسودة… جمعت الرسالة و الاوراق المرفقة…. لبست معطفي و خرجت من البيت بسرعة…

“سأعود يا أمل…كلميني على الهاتف حين تنتهين من عملك”

قصصنا مليئة بالغموض… هو غموض لا يعني في الغالب أي شيء… نظل نبحث عن لغز الغموض في أحداث قوية و مؤثرة…لأننا نميل للتراجيديا….نميل لصناعة القصص من لا شيء …نميل للاحساس بوجود الكوارث من حولنا… و نتناسى تلك الأشياء البسيطة… التي ربما لا تحل اللغز فقط و إنما تجعلك تدرك أنه لم يكن هناك لغز أصلا

“مريم” كانت زميلة عمل منذ ما يقارب الخمس سنوات…تميزت عن الجميع بأفكارها المبتكرة و إصرارها على تجريبهابأسلوب مقنع كبير… لم يكن أحد منا يستطيع أن يرفض مقترحاتها… لأنها كانت تجد الدليل و تحاجج بالعلم… و تختتم مقترحاتها دائما بجملة حفظها الجميع “لا توجد نسبة مطلقة من النجاح دائما… و من لم يحاول تجاوز مخاوفه سيظل رهينة للعادة و لن ينعم يوما بالتميز“…

كان مقترح تطوير المحرك مهمة مستحيلة…اقتنع مدير الشركة به بعد جهد طويل…فقد كان كلام “مريم” ميتافيزيقيا هذه المرة… و بدا الامر أنه مغامرة في بذل أموال الشركة في مشروع لا علاقة له بالواقع…كان حلما “طفوليا” كما عبرت عليه “مريم” يوما… فمن يمكنه أن يجازف في مشروع كان حلم طفلة يوما…

لكنني قررت تبني المشروع و تحمل مسؤولية نجاحه… فقد أثبتت مريم نفسها في مواقف كثيرة… و كلامها بالرغم من أنه بدا كخيال علمي إلا أنه كان مبنيا على قواعد رياضية صحيحة و حقيقية…

الحقيقة أنني أحسست أنني جازفت باسمي و سمعتي في الشركة كثيرا عندما قررت إدارة مشروع مقترح من مبتدئة و أنا الذي أمضيت عشر سنين في هذه الشركة… لكن كان هنالك شيء يخبرني أن الامور ستكون بخير و بأنه مهما كانت النتيجة…كان لابد لأحد من إعطاء فرصة لحلم “مريم ” بأن يتحقق وإن لم يتحقق على الأقل سنخرج بنتيجة أنه فعلا خيال علمي… توكلت على الله…أحسست أنه جعلني سببا لفتاة مبتدئة كي تتقدم…. و فعلا…تقدمت مريم بخطى سريعة في المشروع… و بدأت النتائج تظهر من السنة الاولى لبداية المشروع ما جعلنا متفائلين كثيرا….

ثم تباطأ العمل شيئا فشيئا…. ظننت أن مريم قد تعبت قليلا و أنها تحاول استجماع قوتها… لكن…

لماذا فعلت يا مريم ذلك؟ لماذا انسحبت في المنتصف؟ كنت قريبة من حلمك؟

بدت في رسالتها كمن خاف ملامسة حلم قد يحرقه أو يدمره…فعاد أدراجه معلنا الاستسلام…

لكن المفاجئة كانت صاعقة نزلت عليّ…. مسودة المشروع…. لم تكن مسودة….لقد كانت مشروعا كاملا متكاملا…بنتائج واضحة ….

لقد وصلت “مريم” للنتائج النهائية حقا….

لم أتمالك نفسي…قصدت الشركة في منتصف الليل….لابد أن أتأكد من هذه النتائج….لن أصبر للصباح…

جعلتني مريم حائرا…أتصل هي للنتائج و تعطيها لي على طبق من ذهب؟

خفت أن تخذل مريم ثقتي…لكنها لم تستقل حتى تأكدت من أنها قد أنجزت مهمتها…و أنها أنهت مشروعها…

الحيرة تقتلني…الاسئلة تتزاحم بداخلي…. مريم تنجز المشروع…و تتراجع للوراء…و تعطي جهدها كاملا لشخص آخر لم يكن له إلا دور المراقبة و التوجيه… و تعلل على كل هذا بأنها اكتشفت الحقيقة…و أن هذه الحقيقة “أنها امرأة”…و أنها عائدة “لطبيعتها الانثوية”…..

أحس بأني سأصبح مجنونا… هناك حلقة مفقودة… لكني أحاول استجماع الشتات الذي أحدثته الاسئلة برأسي…

قررت أولا أن أركز على التأكد من النتائج…بعدها ….لست أدري ..لم تكن عندي خطة لما بعد…

رن الهاتف…إنها أمل…

أمل أنا في المكتب…لابد لي من مراجعة بعض النتائج التي توصلت إليها مريم …ربما لن أعود الليلة إلا متأخرا…. “

ودعتني أمل…هي تعلم أنني لن أهدأ حتى أجد أجوبة لأسئلة تحيرني…

يتبع….. Z.brh