زينب بروحو
زينب بروحو

د

خدعوك فقالوا -الجزء الثالث- قصّة قصيرة

أحمد ها قد عدت….أسرع…أريد أن أريك أمرا مهما…”

هكذا نادتني أمل فور دخولي للبيت من المكتب…

أسرعت إليها…. لم تنظر إلي و لم تسألني عن شيء…

إنه حساب “مريم” على الفايس بوك… قرأت منشوراتها لما يقارب 3 أشهر…. كلها تتحدث عن عمل المرأة و حكمه في الاسلام…”

انظر هنا….و أخذت تقرأ عليّ عناوين المقالات…

“عمل المرأة في بيتها”

“كوني عفيفة و الزمي بيتك”

“حكم عمل المرأة… التحريم إلا للضرورة…”

“و قرن في بيوتكن”

……

كنت أتابع أمل باهتمام كبير….. لقد وعدتني أمس أنها ستساعدني لفهم لغز مريم لكنني لم أظن أنها كانت جادة في مقترحها…. و هي فعلا تفي الان بوعدها…

و هناك الكثير يا أحمد….. خاطرة كتبتها من شهر…تشبه ما كتبته في الرسالة….اقرأ

“أحيانا لا بد من التخلي عن الحلم من أجل استعادة طبيعتنا… ربما كنت مخطئة بما يجب أن أكون عليه… لكن …لابأس من تصحيح المسار… و استعادة الذات… “

و هاهي مقالات قامت بمشاركتها تتحدث فيها عن الاختلاط….

“لا تعطيه فرصة ليستمتع بوجودك إلى جانبه في العمل”

“إنه لن يلتزم بغض البصر…أنت وردة لا يجب أن يمسها بعينه…”

….

و المفاجأة الكبرى….. اقرأ التعليقات عليها… كلها من شخص اسمه “أدهم المرواني”…يشجعها و يثني على ما تنشره….

نظرت إليّ بابتسامة معلنة الانتصار….

ترااااااا….كل الاجوبة هنا يا عزيزي…. بسيطة…تأثرت مريم بفكر الرافضين لخروج المرأة للعمل و استنكار مخالطة الرجال في العمل دينيا…فتخلت عن كل شيء لأنها رأت أنها بذلك تحقق العفة المطلوبة

قضيت المساء أٌقرأ تلك المقالات… قرأتها بتأن… و أعدت قراءتها مرات عدة….

كنت أرى أنه في الوقت الذي تعمل فيه الدول على استغلال كل فكرة نيرة في سبيل تحقيق العلم و التطور و بالتالى القوة و من أجل فرض السيطرة على  الدول الضعيفة …كنا نعمل على قبر أصحاب العقول و الابداع…باسم الدين و التدين… فتضعف شوكة المسلمين بأيديهم….

أمّة تنخر نفسها بنفسها من النخاع إلى النخاع…..

هرااااااء…… صرخت غاضبا…..هذا هراء….لقد غسلوا دماغها… أراد إبليس أن يوقعها مرارا في شراكه في اتجاه الضلال… و بعد أن سئم منها…أراد أن يوهمها بأن كل ما تقوم به من علم و عمل بنية تقوية شوكة المسلمين…أنه ظلال

أمل …أعدي حقيبتك…سنسافر الاسبوع المقبل…”

إلى أين يا أحمد؟ و الاطفال؟ و عملك؟

سأطلب إجازة… الاطفال سيذهبون عند جدتهم ليومين…و نحن….سنسافر إلى… مريم…”

………………………………………………………………………………………………………………….

اتصلت بمريم فور وصولي و أمل للفندق…أخبرتها أنني قادم و زوجتي لزيارتها….

لقد مر اسبوعان على استقالة مريم…. كان المدير يريد أخبارا عن المشروع…إنه متخوف من فشله و ضياع أموال باهضة من أجل إنجاحه…طمأنته دون أن أذكر شيئا عن مريم و لا عن المسودة التي أرسلتها لي….

مرحبا بك أستاذ أحمد… مرحبا بك سيدتي… أتمنى أنكما بخير و أنكما لم تتعبا كثيرا في السفر.

بخير يا “مريم”…. أعرّفك على زوجتي “أمل”… التقيتما مرة في ضيافة زوجة المدير

أهلا “مريم” سعيدة بلقائك مجددا

استقبلتنا مريم بشكلها المعتاد… حجابها المحتشم… لا مساحيق تجميلية و لا روائح عطر… كل شيء في البيت كان بسيطا…كبساطتها في الكلام و الابتسام …التحق بنا والدها الذي رحب بوجودنا…و شاركنا شرب الشاي …كنا نتحدث عن كل شيء إلا ما جئنا من أجله أنا و أمل…

مريم…أريد أن أتحدث إليك في أمر الشركة و المشروع

– “اعذروني قليلا …سأٌقوم ببعض الاعمال…ثم انصرف والد مريم… و بقيت أنا و أمل…

أنا آسفة أنني تركت الشركة من غير إعلام قبلي… كنت مشوشة الفكر

أنا لست هنا من أجل لومك يا مريم… بل من أجل مساعدتك

شكرا لك أستاذ أحمد…أنا بخير الان

فهمت أمل أنني لن أفلح في جعلها تناقش الموضوع الذي تسبب في رحيلها من الشركة…فتدخلت:

مريم… لقد خدعوك حين قالوا أنك وجدت من أجل البيت… لقد خدعوك حين قالوا تخلي عن طموحك باسم الدين… لقد خدعوك حين قالوا أنك بمشاركتك للرجال في العمل… قد سمحت لهم بالاستمتاع بك…لقد خدعوك حينما قالوا أنك زهرة تستحقين أن لا تتعبي في العمل… و قدرك أن تنتظري فقط في البيت معززة مكرمة.

اندهشت مريم من دخول أمل المفاجئ في الموضوع… لكنني كنت أثق في أسلوب أمل فهي أخصائية نفسية…تعرف متى تتكلم و متى تصمت…متى تتقدم و متى تتراجع

ساد الصمت الغرفة للحظات….كنا ننتظر ردة فعل مريم…

بل نحن من خدعنا يا أمل بأحلام أخبرونا بها يوما و بتنا لا ننام فقط عليها بل نصحو كل يوم لتحقيقها….لقد أردنا ما ليس لنا… فغرقنا في أحلامنا و نسينا طبيعتنا يا أمل

ابتسمت أمل لمريم فقد أحست أن تجاوب مريم كان إيجابيا جدا….

استمعي إليّ يا عزيزتي… سيخبرونك أنك وردة جميلة تذبل بكثرة الناظرين إليها… سيخبرونك بأن عيونك ساحرة وجب حجبها عن أعينهم … سيخبرونك أنك فقدت أنوثتك لأنك اقتحمت مجالهم و لأنك قوية و ذكية و لا تغريك المظاهر و بعض الكلمات المعسولة

كي تكوني أنثى في نظرهم يجب أن تميلي بالكلام اللين…و تخجلي عند لقاء كل غريب…و تسعدي بالمديح في عينيك و شفتيك و وجنتيك…. هذه هي الانثى في عيونهم الضيقة… كائن موجود لراحة الاخر

و لو أن الامر كذلك يا عزيزتي ما خلق الله للمرأة عقلا … فما يطلبونه منها لا يحتاج الذكاء و لا العقل من أساسه….

لكن…… و أين الشرع…. و الدين؟؟؟

لا تفهمي الدين كما يريدون لك أن تفهميه….لو كانت المرأة ستجلس بالبيت لما فرض عليها الحجاب…فهي على كل حال في البيت… و لما خرجت أسماء بنت أبى بكر و هي حامل تغطي آثار أبيها و الرسول( ص)… و لما خرجت النساء في تطبيب جرحى الغزوات … و لما تركت عائشة تعلم الرجال الدين و لو من وراء حجاب….لكنها كانت تعلمهم

أحيانا أحس أنني أبالغ في الاختلاط بالرجال….

لقد وجدت المرأة يا مريم…ليست لاسعاد الرجل في بيته فقط… بل وجدت لمساعدته في حياته كلها… وجدت لتعمل معه جنبا لجنب… بضوابط حددها الدين… أولها التزام الحجاب و غض البصر و اجتناب الخلوة و التعفف في الكلام… نحتاج يا مريم للعفة و ليس للهروب… لن يزيد الهروب الطين إلا بلّة

كانت مريم تنظر لأمل في دهشة…. كمن يستفيق من سبات أو مخدر… اكتفيت بالاستماع…

لطالما ناقشت و أمل في موضوع عمل المرأة و علاقتها بالرجل كيف يجب أن تكون وسط المجتمع الاسلامي…. لذلك كنا متفقين كثيرا على أننا بحاجة لتربية أجيالنا على احترام الضوابط الشرعية رجالا ونساء…نحتاج أن نربي رجالنا على أخلاق الشهامة  و ضرورة احترام المرأة و المحافظة عليها باعتباره أخته في الاسلام… فلا يتجاوز حدوده معها و لا يؤذيها و لا يسمح بأذيتها.

كنا متفقين على أننا بحاجة لتربية نسائنا على أخلاق العفة في الباس و الكلام.

كنا متفقين أننا بحاجة لتعاون المرأة و الرجل في مجتمع منضبط و أننا محتاجون لأشخاص يحملون مشعل و روح التغيير هذا.

…تركت أمل تتحدث لأنها فصيحة اللسان أكثر مني.

و ماذا عن ” وقرن في بيوتكن

أكمليها يا مريم… “و لا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى” لا تخرجن إلا لحاجة… القصد في المشي… وأخذ العلم قصد… و العمل عبادة و هو قصد… و هل كانت المرأة تعمل أو تطلب العلم في الجاهلية؟ إنما تبرج الجاهلية هو ما كانت عليه المرأة في الجاهلية و استعمالها للمتعة و لإسعاد الرجل…فكانت الحبيبة و العاشقة… و الصاحبة… و هذا ما يرفضه الاسلام…تبرج الجاهلية يمكن أن يكون اليوم من المنزل دون الخروج للعمل أو طلب العلم على محادثات صداقة في النت….و كلام عشق و غزل .

أدارت مريم وجهها…. كأنها غارقة في تساؤلات لا حد لها….كأنها تقول….”أين الحقيقة؟ أرجوكم دلوني…أعينوني…أنقذوني من هذه العواصف في رأسي…”

أشارت إلي أمل بالكلام…

مريم… كنت قريبة من تحقيق حلمك و حلم بلدك… كنت رمزا للعفاف تقتاد به الفتيات…بل و الفتيان أيضا ممن لم يستطيعوا إغراءك… كنت رسالة بحجابك…. و قدوة بعلمك و صدقك و أمانتك و اجتهادك

هل تظنين حقا أن الله أودع فيك هذه الخصال لتخفيها عن العالم؟ و إن لم يكن في إخفائها  اثم فقد منعت تأثر الاخرين بك و الاقتداء بأخلاقك….

نحتاج إليك و إلى كثيرين مثلك كي نغير العالم…. لن ينفع الاختباء… و لن تنفع “نفسي نفسي” الأمّة في شيء

و حلمك؟ هل كان صدفة؟ أنت لا تؤمنين بالصدف…ذكاؤك؟ رزق رزقك الله إياه…كي تنفعي به الانسان و تقوي به المسلمين… نحن في حرب ضروس …حرب علم و دول وانتشار ثقافة

الاختباء لن ينفع الأمة في شيء يا مريم

أنا…….. أنا مشوشة….

اغرورقت عيناها بالدموع….

– “لو كنت محقة يا مريم لأقنعتني و أمل بما اقتنعت به…فأنت عند الاقتناع شرسة في الاقناع….لكنك كنت تبدين…كما وصفت نفسك … مشوشة الذهن… لقد استنشقت فكرا لا يشيهك يا مريم….”

هل تعلم يا أستاذ أحمد؟؟؟ سمعت نقاشا داخل الشركة بين العاملين…كان عن عمل المرأةلقد نعتوا المرأة بأبشع الصور… نعتوها بالرجل الذي يريد السيطرة على الرجل…نعتوها بالتي لا تصلح للزواج لأنها تعود منهكة من العمل…صوروها بأنها تفتقر للأنوثة… و قالوا أنها يجب أن تتحمل مسؤولية المنزل و العمل معا لأنها هي من اختارت خروجها العمل …. كأنهم في حرب ضد المرأة

تصور يا أستاذي أن تكون إنسانا يظن أنه يقدم الكثير للناس… و بعدها يكتشف أن الجميع يأكل لحمه أكلا و ينهشونه عظما عظماإنهم لم يقبلوا وجود المرأة مهما فعلت….هم لم يتحدثوا فقط عن المرأة المتبرجة و الممثلة أو المغنية… لقد انتقدوا حتى المرأة المكافحة الصبورة و المتفوقة و العفيفة و الملتزمة

قاطعتها….

إنهم رجال فيهم جاهلية يا مريم…. لا يريدون أن يروك ناجحة… إنهم يخافون نجاحك…. لقد عمل الرسول صلى الله عليه و سلم في مال خديجة رضي الله عنها و كانت تاجرة ناجحة… و لأنك على حق و هم على باطل…يجب أن تظلي صامدة…لعل الحق يزهر يوما….كوني أنت البذرة يا مريم

ابتسمت أمل …. نعم “كوني أنت البذرة يا مريم

على كل حال …جئت إليك اليوم يا مريم كي أجد أجوبة على أسئلتي… لقد أجبتني…لكنك لم تقنعيني

خذي هذه لك….. ناولتها ورقة كانت بجيبي….

طلب استقالتك …لم أدفعه للمدير

ابتسمت مريم….. شكرا لكما حقا سعدت بمجيئكما و بالحديث إليكما… أحيانا نحاط بأنواع من الناس تجعلنا نشك في ما نحن عليه…أمثالنا يحبون البقاء في الظل… و الظل الذي نظل فيه يجعلنا نحس بالوحدة

سارعت أمل لعناق مريم و قالت…. لذلك خرجنا من الظل يا مريم كي نقول لك….أنت لست وحدك…و ربما كثيرون ينتظرون رؤيتك ليخرجوا من ظلالهم إلينا….”

لقد تأخر الوقت يا أمل…يجب أن نعود…. سأنتظر عودتك للمكتب يا مريم…. لإتمام مشروعك…. في أمان الله و حفظه

ودعنا “مريم” و والدها … و عدنا للفندق…

كنا صامتين…

أمل تنظر للطريق من خلال النافذة على جنبها…. و أنا أمسك بالمقود …. عيني تركز على الطريق…و عقلي شارد…..وصلنا الفندق على هذا الحال من الصمت… دخلنا الغرفة… و خلدنا للنوم من شدة التعب…. كأن ما حصل كان صادما لنا جميعا…أو كأننا كنا نخشى أن نخبر بعضنا البعض بأن ما حصل لن يغير في قرار مريم شيئا…و أن جلستنا كانت فلسفية جدا…لكنها كانت فاشلة جدا….

لا حقيقة في الحياة سوى أنها سراب… و هذا فعلا ما قصده الامام علي رضي الله عنه حين قال “الناس نيام…فإذا ماتوا انتبهوا“…

تمر بنا الحياة من قناعة لقناعة… ما نشاهده في الظاهر مغري… و ما يكمن في الباطن مؤذي

ابتسامات و تصفيق و إعجاب بنجاحك أمامك… و ضرب في شخصك و أخلاقك من ورائك…. تخذل شغفك و أحلامك…و ترمي بك في هاوية الشك

(إلى اللقاء في الجزء الأخير)

Z.brh