عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

الكتابة بالصور…

لقد أصبح العالم يسير في سرعة هائلة وتتنافس الدول في إثبات قدرتها على تلك السرعة ، فكلما تقدمت القدرة التكنولوجية لديك كلما كانت السرعة أعلى ، ليس هناك وقت  للكلمات والحواديت و لا مجال للأحاديث المطولة والأخبار المملة .

لقد طغت المادة لتستهلك المشاعر والأرواح مما أعلى من قيمة الصورة على حساب المضمون حتى أصبح الشكل خصما للجوهر ، وقد نتج عن ذلك التجاهل للمعنى والتركيز على السطح .

جيل الكلاسيكيات ..

كانت المعضلة بالنسبة لجيل الكلاسيكيات والآصالة بأنهم شعروا بثمة انقلاب وتغيير جذري في الثقافة والتراث حيث يرون من حولهم وكأنهم يتناولون قشور التفاح ويلقون ما بداخله في التراب ، لقد سقط التراثيين الآن في ذات البوتقة التي وقع فيها الجيل القديم الذين كانوا يرونه معقداً لا يجاري الموضة . فصدمهم العالم الرقمي بما هو أكثر تجدداً وتحديثاً ليصبحوا هم أنفسهم قدماء ، لقد هزمتهم العولمة في مقتل.

لقد اقتحمت الصورة الحقل الورقي والرقمي على السواء حتى أصبح الناس يلهثون وراء الأشياء الخارجية دون تعمق فلم يعد الإنسان العصري يتحمل القراءة الطويلة والقصائد الفصحى ، فهو يريد الوصول لنهاية الحدث بسرعة مذهلة وكان ذلك إيذانا بنهاية عهد الكتاب وبداية عهد الكتالوج .

الكتابة بالصوت والصورة …

لقد أصبحت الكتابة بالصور أسهل وسيلة للوصول إلى المتابعين ، أو الكتابة بالصوت بشرط أن تكون موجزة  ، فلم يعد هناك متسع للكتابة الموسوعية المفصلة لأن العالم لديه شغف فك شفرات الألغاز بلا جهد ، ولم تتوقف المسألة عند ذلك الحد بل كان السبق والغلبة إلى أكثر الصور إثارة ، أما الكلمات فقد كان العنوان الفاضح هو الأفضل لأنه ينم عن حادث مفجع أو جريمة خطرة.

حتى لا تلتهمك الحداثة …

لم تعد الخلاصة والمعاني تمثل أهمية في عصر العولمة ليس  ذلك بسبب انعدام المباديء والمشاعر عند الناس بقدر ما كانت الضغوط المادية والتطور السريع في العالم يدهس كل شيء لأن العالم يجري بسرعة للحاق بالقطار ، فإذا توقف البعض عن المسير فإن نهايته حتمية .

قسوة العالم التكنولوجي لا ترحم الضعفاء ولن تأسف المجتمعات على وقوع بعضها أثناء الرحلة لأن جميع الدول منشغلة بأحوالها ، فلا تتوقع أن يبكي عليك أحدهم لكونك متمسكا بالآصالة والمثالية ، فلا تلتفت دقيقة من أجل مشاهدة ردود الأفعال تجاه مواقفك . بل خذ قرارك بذكاء وسرعة بلا تهور حتى لا تلتهمك الحداثة وتدهسك بأقدامها.

التجديد هو سنة الحياة ..

ربما يرى الإنسان الكلاسيكي صعوبة في التجديد وتطوير نفسه ولكن الأمر ليس كذلك ، فالتجديد هو سنة الحياة والانتقال من عهد إلى عهد آخر هو ما تمثله طبيعة الأزمان، وقد استطاع بعض الكتاب والعلماء تجاوز تلك العقدة لكي تخلد أسمائهم على مدى أجيال وإحيال ، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة كسرت ذلك الحاجز الضخم دون أن تفقد نكهتها وجوهرها فاستكملت أفكارهم واستثمرت آمالهم ، فقد انتشرت أفكار  الكاتب الانجليزي (وليم شكسبير) والشاعر العراقي (أبو الطيب المتنبي) وسط هذا العالم الرقمي المجنون وكانت كلماتهم تشق الآذان الصماء لكونهم لم يتكبروا عن النزول إلى أدنى درجة للتواصل مع البشر .

وفي مجال الغناء  استطاعت كثير من الأصوات أن تستمر حتى وقتنا الحالي ، لقد  ظل المطرب الأمريكي مايكل جاكسون متربعا على مستوى العالم ، وفي مصر والعالم العربي ظل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ هو الأعلى حظا بين جميع الأجيال لأنه كان مغامراً ولم يخشى الجديد وكان الأكثر تواءم مع الشباب والأطفال وذلك بعكس الكلاسيكيين الذين ظلوا في أماكنهم ينتقدون ، ويثرثرون بلا جدوى مما أفقدهم جماهيريتهم فسقطوا في هوة الصراع بين الماضي والحاضر رغم أنهم يعلمون يقينا أن الطربوش لم يعد مناسبا للعصر التكنولوجي ولكنها المكابرة والجهل الاجتماعي مع الإصرار على التمسك بالأفكار البالية .