سامي الذبياني
سامي الذبياني

د

العرب أمة عظيمة

نشأتُ في قرية صغيرة تحكمها عادات القبيلة، وكان أهلها عوام، بسطاء، أكثرهم لا يملك من العلم إلا نزرًا يسيرًا، ومع ذلك فقد رأيت وشاهدت من أخلاقهم ما جعلني أقرُّ بفضائل العرب وآدابها على من سواها من الأمم.

ثم إني في صدر شبابي خالطت أجناسًا متعددة، وبلوت أخلاقهم، وعرفت آدابهم، فلم أر في حياتي أمة أشرف من العرب، ولا أحسن أخلاقًا منها، على الرغم من سذاجة عيشهم، وقلة ما عندهم من العلم.

رأيت الرجل الأوربي وجلست معه، وعرفت أخلاقه، فكان مثقفًا كثير العلم، لكن هو لا يُحسن أن يكون كريمًا، ولا يُحسن أن يصل أقاربه، ولا يُحسن أن يتودد إلى الناس بمعروف، هو لا يعرف إلا نفسه، ولا يهتم إلا بالمادة ولا يعرف شيئًا سواها.

وخالطت سائر العجم على اختلاف أجناسهم، وبلوت أخلاقهم، وعرفت دقائق صفاتهم، فلم أر لهم فضلًا على العرب في شيء إلا بما تقدموا به في علوم الطبيعة.

لم أر لهؤلاء الأعاجم عزة نفس كعزة نفس العربي، ولا إباء كإباء العربي، ولا شرفًا كشرف العربي، ولا كرمًا ككرم العربي، ولا حُسن حديث في المجالس كحديث العربي، وهو الذي إذا تحدّث آنسك بحديثه، وإذا نطق سرّى عنك الهم!

حتى أشعارهم العامية الساذجة البسيطة، كلها حكمة، وكلها شرف، وكلها فضائل، خذ على سبيل المثال هذا الشعر:

نعطي ولا نتبع عطانا بالاقوال

ونبذل ونسكت كننا ما عطينا

وان باعوا الشيمة بدينار وريال

حنا دخلنا سوقها واشترينا

يقولون على لسان شاعرهم، نحن إذا وهبنا المال لمحتاج لا نستطيل عليه بالمنَّ، ولا نتكاثر عليه بالعطاء، ونحن أيضًا إذا رأينا غيرنا قد باع شيمته وأخلاقه بأبخس الأثمان فإننا سوف نشتري منه هذه الشيمة الضائعة التي باعها لنحفظها عليه ونرعاها له!

 فهل رأيت أعز أو أشرف من هذه الأخلاق؟! في اعتقادي أنه لا توجد هذه الاخلاق وهذه الصفات في أمة غير أمة العرب، ولهذا تفضل الله عليهم برسالة النبوة، وجعل في اعناقهم مهمة تبليغ الرسالة.

لكني الآن وقد بلغت الثلاثين، رأيت أطفالنا تتغير طبائعهم، وتتبدل أخلاقهم، بسبب انتشار أفكار الغرب، وتأثر أبناء العرب بها.

وآمل من الله أن يحفظ لهذه الأمة العربية أخلاقها وآدابها، وأن يجمع لها مع هذه الاخلاق التقدم العلمي والمادي، فإنه اذا وقع لها ذلك كان لها الفضل على غيرها من الأمم، وكان له السبق..