أحمد اكرتيم
أحمد اكرتيم

د

التركة الموبوءة…

احيانا ولداعي الضرورة ،كي جرح ما افضل من تركه لعوامل البيولوجيا حتي يشفى ،رغم الالم والمشقة لابد من سلوك درب هذا الخيار،والنقد الذاتي لمجتمعاتنا العربية والوقوف جليا امام الاسباب الحقيقية لما تعانيه من ذل وهوان و تخلف على كل الاصعدة بمثابة الكي لمرض طال تشخيصه وهو نبذ التغيير والوقوف على أطلال الماضي والرمي بكرة المسؤولية في ملعب الآخر.

ولايكفي الجرد والحصر لتحديد الاسباب الحقيقة لهذا التخلف لانها و ان تعددت فالمسمى واحد ،وهو السكون ،والسكون يعني الموت ،فاليوم لسنا ملزمين ان نبقى لصيقي السياق التاريخي و حبيسي فكر المؤامرة لنبرر اخفاقاتنا ،ولا يعني هذا نكران التاريخ او التخلص من الماضي رمزيا ، لان لغة الغذ لا تعير انتباها لأمجاد الماضي حين تفقد استدامتها ،ان المضي قدما بمجتمعاتنا لا يقضي بالضرورة هدم الماضي و انما يقتضي عدم الوقوف عند نقطة معينة دون حراك .

ان نقطة التغيير التي نرجوها لمجتمعاتنا ،لن نبلغها مالم يرسخ وعي جمعي بضرورته وكونه تكليفا فرديا قبل ان يكون جماعيا او منحصرا في مسؤول ما ،لن يتم ذلك مالم تعطى القيمة الحقيقة للمعرفة بعيدا عن التصور النمطي للدراسة ،فهذان مفهومان مختلفان ؛لانه عندما يترسخ الوعي بالمعرفة ننتقل الى حيز التطبيق والتفعيل الحقيقي لملكة العقل ،ان اهم الاسباب التي هدمت صرح المعرفة في المجتمعات العربية انها افرغت من قيمتها الجوهرية التي تسعى الى المضي قدما بالانسان ،وتحولت من إطار يبنى عليها المجتمع إلى قالب نمطي يختزل في الدراسة فالوظيفة وبقية هذه السلسلة النمطية معروفة ،والشعلة الاولى للمعرفة تبدأ من الذات الفردية ثم الاسرة ثم المجتمع الصغير فالاكبر ،لايجب اليوم انتظار الحكومات او الانظمة لاحداث التغيير و المضي قدما نحو الامام ،بل يجب على كل فرد ان يغرس بذور التغيير في نفسه و محيطه الاقرب وعندما يعمم هذا النسق فتلقائيا التغيير سيصير واقعا في مجتمعاتنا بدل ان يكون مطلبا .

لقد ورثنا تركة موبوءة منذ بدايات هذا القرن وهي لزوم دور الضحية حتى صارت فلسفة حياة وعنوانا بارزا لواقع البؤس الذي اصاب المنظومات العلمية والاخلاقية والاجتماعية في امة إقرأ ،إن التغيير لايحتاج وصفة سحرية او انتظار كل الظروف ليتحقق ولكن وجب بناء الانسان اولا من الذات الى الاقربين فالكل بلا استثناء مسؤول عما يحدث و مطالب بالعمل لبلوغ المنشود ،ولا تكفي لغة التنديد و الاستياء والانسياق وراء مشاعر الجموع لرسم معالم التغيير لانها فقط ترسم واقعا وهميا كجرعة مخدر مفعوله لحظي لايقدم حلولا جدرية ،والحل الجدري الاول يكمن في هدم صنم الذات وتطعيمها بالمعرفة والاصرار على النهوض بعد السقوط ليستقيم المشي فهو خير من المشي تحت رحمة عكاز الواقع المزيف الذي يغديه رفضنا الاعمى ان نعترف ان سبب تخلفنا ليس خارجيا بقدر ماهو داخلي ،لان العكس يعني قبول سلطة المعطى الخارجي على ماهو داخلي وهذا نفي كلي لملكة العقل.