حليم 90
حليم 90

د

الإدراك

يظن الطفل العاجز عن إدراك حتى الألم ، أن بمقدوره أن يعيش كما يريد ، كما يظن ، أن يصل لأحلامه بكل سهولة ، يعتقد بأنه سيُصبح ثري ،بملامح ستكون فاتنه ، لا يُفكر على الإطلاق في أي عائق ولا أدنى مشكله .إنه سعيد جدا حتى يُدرك ، هو لا يعلم ماهو الإدراك وكيف هو وماهيته ، ولكنه سيهبط عليه فجأه ، ثم يُسيطر عليه بشكل هادئ حتى يتمكّن ، فيُدرك .

إن الظروف و حال العائلة و تفاصيل ما يُشاهد و مايواجه ، هي من تتحكم في بناء شخصيته في المقام الأول ، حتى يبدأ المراهقه فهو لا يُدرك ، ولا يملك شخصيه ، إنه يكون مُراعى محمولا على الأكتاف ،يسأله الجميع ويُحبه الجميع ، إنه عالم يُغيبك ويخلق أمامك حالة من الوهم . حتى تُراهق وتبدأ المراهقه ، ثم تشعر بتمزّق ، رداءالطفولة ينجلي و يترجّل ، فتُصارع ، تصل لأقصى درجات الصراع ، تطلب الانتحار و ماهو الوجود ؟ ،ولماذا وكيف وأنا ! و من أنا ؟ 

انت على الإطلاق لازلت لا تُدرك الصراع ، ماهو وكيف ولما ، تتمسك طبيعتك بالعرش المتمثل في طفولتك ، ستخرج من هذا الصراع بما تبقى منك ثم تبدأ حياتك وتعيش وتُدرك ، فإما أن تُبقيك قوتك حيًا يقظًا أو يُهشّمك الإدراك فُتاتًا و يمضي .

إن الإدراك قاسٍ ، شديد البرودة ، شقي ، هالك ،يسرق شعرك ، ويُبقيك مُنهك ، إن تجاوزك فأنت خلفه كالهشيم ، هشيم مرآةً لا مجرد زجاج ، فتات ، ومع كل محاولات التجميع يصيبك الهدد ، إن قوتك وسلطانك من تتحدد كيف تتعامل مع الإدراك ، وكيف تستخدمه لمصلحتك العظمى .
إن طبيعة الادراك هو ألا يكذب ، فيُعطيك كل شيء ،ويُحيطك بكل سر ، يطعنك مرات و مرات ، لا يحترم خلوتك ولا مجهودك الفاني ، لا يكترث بما حل بك وما يحل ، يطعن و يركض ، فاطعنه انت بغتةً قبل محاولته ، وتقبّل ما احاطك به ، يؤلمه أن ترضى ، يظنك تهلُك ، فيُعطيك الأنباء كالبنيان المرصوص ، سيء النية ، غرضه التحطيم . يزيد في اهلاكك فتزيد في الرضا و التعقّل ، فيُؤلمه ، فتنسى أن هناك مرسول بغيض إسمه الادراك ، فيغيب عنك فتبقى هناك مساحة ، يزورك فيها مرسول آخر حنون يقول : انها لحظات و ستمضي .