عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

إبداع ممنوع…!

ماهو الحرام ؟

دائما ما كنت أسأل نفسي عن الحرام؟ هل يكون الحرام هو الفن نفسه؟ أم يكون الحرام في محتوى الفن ؟ إذا آمنت بنظرية حرمانية الفن بشكل عام فإنني قد سلمت بمسألة المنع والرقابة المشددة التي يتبعها التفتيش في النوايا وتقييد الفكر ومحاصرة كل جديد ، وإذا رفضت الابتكارات المجنونة والخواطر المستفزة فإني بالتأكيد أبغي عالماً بلون واحد لمجرد إنني لا أميل للجنون الفكري ولست متمردة .

وأعود لآتساءل ، ما هو الفن الممنوع ،ومتى يمكن أن أتوقف لأخفي أفكاري وهل مسموح لي أن أتحدث عن كل شيء وأكتب عن أي شيء وأرسم كل ما أريد ؟ هل يمكن للكاتب أن يبوح بأسراره الشخصية حتى لو كانت مخجلة حتى يعمل على توعية الآخرين ، وهل يحق لمن يسطر القصص والروايات أن ينحرف في إبداعه ولو كان هذا يخالف العقيدة الدينية والتقاليد ؟ المسألة تحتاج إلى بعض التفكير العميق حتى لا تتداخل المباديء مع حرية الإبداع ، وحتى لا نبدو في نظرتنا مثل قاضي التفتيش الذي يحكم على الناس بمجرد أن ينبيء ظاهرهم عن ما يعتقد أنه الفحش والخطية ، ولكن يبقى الحرام حرام في كل الأحوال وكذلك الحلال هو الحلال بصفة عامة ، ولكنها الحيرة والمجاملات والخوف من آراءالناس عنك ، فربما يصفونك بالمتشدد ، أو ربما يروك متحرراً ، وربما يصفونك بأنك غريب الأطوار . الصدق ينجي صاحبه بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالمبدأ .

التهمة متخلفة أو داعشية ….

بمنطق الشفافية ، فإن البعض منا كشرقيين عرف مبكرا مدى النفور المجتمعي من العيب أوالذنب ، ففهمنا أن الحرية لها حدود والأفكار لها سقف ، والرجل غير المرأة والكبير غير الصغير فإنه من الصعب أن نتحلل من قواعدنا رغم أنها في النهاية مباديء ظاهرية وليست داخلية ، وهذا ما يجعل البعض يتعجب عندما يرى صور مخلة يرسمها أحدهم حتى إذا سأل الرسام عن الدافع وراء الانحلال الفكري فإنه يجيب بأن ذلك يدخل في نطاق حرية الإبداع ، وأعود لأسأل نفسي في صوت منخفض حتى لا يقال إني فتاة متخلفة أو يلصقوا بي تهمة الإرهاب والدعشنة وأسأل : هل نفدت كل الأفكار وكل الأشياء والعقل أصبح خاليا لا يحمل إلا تلك الصور المخجلة ؟ فأجيب نفسي وأقول أما إنك غريبة متطفلة على الفنون والحرية وإنك لست مثالية ولا ملائكية لتتحدثي عن الناس ، ولكن الانحطاط أحيانا يخنق والفحش يجعل كل شيء مظلماً .

الفكرة الشيطانية ..

بعض الفنون تجعلك تحادث نفسك عن سمة شيء يسمى (الإبداع الممنوع ) فليست كل فكرة شيطانية تصلح أن تكون لوحة ، ولكن يمكن أن تجسد الشيطان في رواية فنية أو تظهر ألاعيبه في صورة معبرة مستخدماً ألوان نارية وأخرى قاتمة ولكن التحرر التام يبدو شيئاً منحطاً و البشر ليسوا سواسيه والحياة تجمع بين القيم والرذائل ، فأينما وجدت الأخلاق في قوم وجدنا آخرين منعدمي الخلق ، وأينما وجد الشر عند فئة رأينا الخير عند آخرين ، فالملائكة لا تمشي على الأرض .

المجتمعات المنغلقة وادعاء الفضيلة ..

الكارثة الكبيرة في مجتمعاتنا المنغلقة أن بعض الأفراد يقوموا بعمل الخير ليقال أنهم أخيار وأصحاب فضيلة وفي الحقيقة هم أشرار ولكنه شر كامن داخل نفوسهم وليس هذا مرض نفسي بقدر ما هو إجرام وانعدام خلق ، فالمرتشي يأخذ المال الحرام ثم يذهب للصلاة والشاب المدعي للعفة يرتكب الفواحش ويشاهد الأفلام الإباحية طالما أن لا أحد يراه ، وهو يكتم ميوله الجنسية الإجرامية فقط لخوفه من الناس وليس من الله ، فتلك الصور التي تعاني المجتمعات المنغلقة منها هي امتداد لأفكار عقيمة اتسمت بها البيئة العربية لأن العقيدة في بلادنا لم تهزم العادات الذميمة والجهل ، حتى إذا ما احتدم الصراع بين الدين والعادة تحجج المجرمين بأنهم مرضى أو برر ضعاف النفوس ومنعدمي الضمائر أفعالهم بالعقيدة الدينية نفسها بأنهم معافين من العقاب طالما لا يجهروا بالفحش وهذا منطق يثبت إجرامهم ، فكيف يمكن أن يعافى شخص تتملكه ميول عدوانية تدفعه للقتل والتعدي على حرمات الله فإن تتابع تلك الميول ستجعله يعتاد ذلك مما سيعجل بفضحه ، إنه فهم باطل للعقيدة وتناقض ونفاق بين.

الكذب والتفسير التابع للأهواء

لقد فسر الجهلاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم تفسيرا باطلاً ليناسب أهوائهم وهذا الحديث هو ما ورد عن أبي هريرة قوله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه، متفق عليه.

لقد فسره بعض أهل العلم على أن المعافاة هنا من ذم الناس وعيبهم وإساءتهم إليه ووقيعتهم في عرضه، فإذا جاهر فإنه تناله ألسنتهم ولربما حصل له شيء من التعدي من جهتهم بأنواعه المختلفة، هكذا فسره بعض أهل العلم. ، وقال البعض يحتمل ربما يكون المراد معافى من العقوبة، ولكن هذا يعد إشكال كبير ولا يتفق بأي حال مع معنى العقيدة ؛ لأن ذلك معناه أن كل من يعمل الذنوب من غير مجاهرة أنه في عفو، وهذا ليس بمراد الله تعالى ومحال أن يكون حكمه، ولهذا فسره أهل العلم فقالوا : معافى يعني: أن عرضه مصون، محفوظ وله حرمته فلا يصل إليه أحد بأذية، أوغيبة، أو نحو ذلك، ولكن ذلك لا يعني إنه بعيد عن انتقام الله وعذابه كما يخيل إلى فئة المجرمين الذين يستحلون الحرام ويتحججون بالدين .

أما المجاهرين بالفحش فإن المسألة لا تحتاج إلى تفسيرات فلسفية ومجادلات سفسطائية لأن ذلك هو نهج الشيطان الذي يعمل على إشاعة الرذائل بين الناس مهما حاول البعض أن يبرر ذلك ، فإن رسم التصاوير المخلة ليس إبداع وتحرر كما يدعي البعض ونشر الرذيلة والانحراف الفكري ليس فناً بل هو انحطاط واضمحلال فكري ، فالحياة ستظل معركة بين الخير والشر ، بين الحق والباطل ، بين الجمال والقبح ، الشيطان سيظل عدو للإنسان مهما ارتدى لباساً براقاً ومهما على نفيره . ‏قال تعالى : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏) سورة النور الآية 19ق