هيثم عمر
هيثم عمر

د

أن تصبح كبيرًا

  • ما معنى أن تصبح كبيرًا…
  • لا أدري بما أجيب… فالصغير يرجوا الكبر والكبير في حلم الصبا غارق..

أن تصبح ذا رأي يسمع وقول يؤثر فيمن حولك… أو أن تصبح أطول قليلًا… أو حتى أن تنمو شعيرات شابة في وجهك… أذلك الكبر… أم أنه أن تقول كلامًا لا يقوله إلا الكبار، أو أن تفعل فعلًا لا يقدر عليه إلا كبير… أذلك هو الكبر… أم أنه شيءٌ آخر غير الذي ظنناه صغارًا…

فعينا الصغير لا تريان إلا أنه سلطةٌ مطلقةٌ لا تحدها سُلطة – إلا سلطة كبير غيره –. وأنها القدرة على التحدث فيما تشاء أينما شئت وحينما شئت. وأنها وسام على صدرك يعني أنك لم تعد من المستبعدين في تلك الأحاديث المعنونة بخاصة للكبار. أو أنك انضممت توًا إلى من يستشار ويخير، فأصبح لرأيك أثر ولخيارك وزن ولصوتك سامع راغب، لا مستمع مرغم يطبق إحدى أساليب التربية الحديثة وهو لم يرب لا عليها ولا على غيرها، أو أن الكبر يعني سهرًا في الليل بعد ساعات حرمت على الأطفال والعجائز، أو حريةً في الخروج والدخول، أو حتى خلاصًا من خوف وقلق تشربه القلب من شبح توارى في ظلام المنزل الذي لا ينقشع إلا بحارس أو شعاع من نور يخرج طاردًا الظلام وسكانه من سطح المنزل… أو من أنفاس غريب صادف أن ألقى بظله على الطريق، أو حتى من أصوات تصدر دونما مصدر فيرتعش معها القلب والجسد وتسرع القدمان نحو كبير يحرسها أو ضوء يسكتها.

فهم لا يرون أنه ثقل تحمله الأكتاف مرغمةً لا راغبةً، وأنه نذير باقتراب الأجل ومضي الزمن فمع كل يوم يمضي وأنت كبير يقترب الأجل مسرعًا ليضمك إلى من سبقك، ومع كل يوم يمضي تزداد الأعباء عددًا وقوةً وإيلامًا، وتصطف الواحدة تلو الأخرى في صف لا ينتهي ولا يفرغ إلا بانتهاء أجلك لتقتص كل واحدة منها جزءًا منك، تقتص منك لأنك كبير، لأنك لم تعد بعد اليوم صغيرًا…

فلا تبقى بصيلات الشعر تلك على حالها، ولا تدوم أيام السهر طويلًا، ولا تفتأ إلا وقد سأمت أحاديث الكبار ونقاشاتهم العقيمة، بل ويعود القلب مشتاقًا إلى أيام كان فيها الخوف نابعًا من ظلام قد ساد وسيرحل، أو حتى إلى خوف من أنفاس الغريب. فتقلب الآية، ويصير لسان حالك قائلًا أن ” يا ليت الشباب يعود يومًا ” أو “يا ليت أيام الصبا تعود”. فقد فقدت نعمة الجهل وبراءة القلب وراحة البال، فما عدت ذلك الذي لا يلام وما عدت أيضًا جوهر الحياة وحلاوتها، بل صرت حكايةً ثانويةً تروى على صفحات وافد جديد…

فعش بني اليوم دونما قلق، ولا ترجوا لعنة الكبر، عش كل يوم كأنه حكاية جديدة واختمها بالحمد والشكر. عش ألمك وخوفك، قاتل لأجل حلمك ودع التشبث بالماضي ودع ألم الغد للغد، فما سارع رجاء في زمن ولا أبطأت الآهات أزمانا.

إن الكبر آت ولو بعد حين، وإن الصبا زمن قد مضا. فعش… واخلق لنفسك هناءً وسعادةً…