أمير محمد
أمير محمد

د

أضغاث

” الأشياء لا تبدو كما هي في المرآة، فهي في الحقيقة أقرب ” لطالما تكررت هذه الجملة مراراً وتكراراً على المرايات الجانبية للسيارات، ولكنني سرعان ما وجدتها الوصف الصحيح لحيوات الآدميين، الذين يقبعون في معزل يعج بضوضاء الراحة الصاخبة، مر علي في هذا الكهف الكثير من الوقت، كلما أردت النهوض ردعني شئ ما لا أعلم كنهه..

يبدو أن ساعي البريد لم يأتي كعادته ، لا أدري أتأخر أم أنني أخطأت التوقيت هذه المرة ، أنتظره في الردهه كعادتي ، فنجان القهوة يَنقل سقيعه لـ أناملي بلا ممانعة مني ، أُطيل النظر في اللاشئ في مشهدٍ تسعيناتي روتينّي بالمرة ، والجو هنا يُخيفُني ..‏

بالأمس تناثرت الأخبار ، وتطايرت الصحف .. وكثرت الأهازيج وتحول السكون الى هلع شديد ، هرج ومرج غير مخطط له على الإطلاق ، يتحدثون عن النهاية ، أية نهايةٌ تلك ؟! .. نهاية واحده أعرفها جيدا ، هل هي المقصودة أم أنه هناك نهايات أبدية لم يسعفني العمر على معرفتها بعد ، فإننا يمكننا أن نعيش أبديات قصيرة كما ذكرت الكتب لا أدري ..

‏لأكون صادقاً معك ومع نفسي قبل أي شئ، لا يعنيني العالم بأكمله لا يعنيني أحدا غيرك، اقتربت لـ شباك غرفتي هذه أتأمل الشارع الفارغ عن بكرة أبيه ،كيف يصبح السواد قاتما إلى هذا الحد مرة واحده ،كيف تتغير الأشياء بتلك السرعة المرعبة،أشعر أنني مبتدأ يحبو على مشارف الحياة وأنا من هذا براء ..

‏لا أعلم كيف لا أجسر على الخروج لرؤيتك ، أي نهاية تلك بدونك ، هم لا يعلمون كم هو مؤلم أن أظل عالقا هنا مع تبغي وقهوتي ووحدتي هذه، هم لا يعلمون أي شئ على الإطلاق ، اشتقت إليك بلا حرج ، كيف تكون هناك نهاية لا وداع فيها بيننا ، كيف لـ زهوري أن تذبل في مزهريتي بلا سابق وداع بيننا …شُرفتي تعلم أني لم أكن مهملا أبدا .. أتعلمين .. أراهم من حولي يتساقطون كـ حبات التوت بلا حول او قوة واحدا تلو أخيه ، انه الوباء اللعين ينتشر بالمدينة وانتِ تنتشرين بي وأنا أنتشي بك ، لم أصدقهم على الإطلاق ،لا أريد تصديق أي شئ ،أُنكر عليهم فكرة أن يذهب بي المطاف لأنتهي مثلهم ..‏

أنا هش ، جبان و ضعيف ، صدقيني عزيزتي أدفع أموال الدنيا التي لا أملكها ليسير أحدهم في جنازتي او أن أفوز بدعوة صالح ، أو أن تكون هناك لحظة وداع لائقة ، أتدرين .. أحاديثهم حولي تثير الرعب والقلق بداخلي ، يخافون الوباء وأنا أخاف الوحده ..يريدون الهرب وأنا أُريدُك أنتِ..‏لم يعزف قلبي رغم اضطرابه عن التفكير بك ، بالأمس حزنت على نبتتي الصغيرة لقد سميتها اسمك ، دللتها ، واعتنيت بها حتى المرض ، ذبلت بين أحضان يدي ، لا أدري أهو اهتمامي الزائد ، أم أنه قد طالها ذاك الغريب ، مذ أن صِرت ها هنا أو بالأحرى منذ أن صِرت خائفاً ، لم يأتي ببالي أمل كـ ثغرك..‏رغم خوفي الوحده ، آنسني طيفُك ، الجميع هنا خائف ، الجميع هنا مرعوب ..

لا أُخفيكِ سراً وأنا كذلك ، يبدو أن النهايات عزيزتي متشابهة إلى حدٍ كبير ، لازلت على مقعدي وفنجاني يرتعش أو ربما انا .. أمامي لوحة ڤان جوخ الأخيرة في يوم ميلاده أهي مصادفة أم أنه القدر؟!..‏من عبثية القدر أن يكون لكل شئ نهاية ، وأن النهايات متشابهة كثيراً ، وأننا أوغاد بالفطرة لو تعلمين ، نكرر نفس الأشياء ونفس الشعور بلا هواده او حتى اكتراث ، لعلنا نلقى ما لا نخطط له وذلك بطبعه مزعج ، موسيقاي تدوي من خلفي ، شُرفتي هنا أنتظركِ خلفها منذ ما يقرب العامان أو يزيد..‏ساعي البريد تأخر هذه المرة ، أتدرين أنتظره بلهفة غريبة ، لأكون صريحا افتقد رائحتك في كتاباتك لي ، رغم أنك لم ترسلي لي حرفا واحداً منذ زمن ، رغم أنكِ لم تراسليني ولو بورده ، ورغم أني لا أعرف أي ساعي بريدٍ بالمنطقه..‏

رغم أن لكل عزيز عزيز ، فـ حسبت أني عزيز أحدهم وكنت على خطأ ، لكنني ينتابني شعور غريب ، أشعر بأن أحدهم في خطر ، أتلو الصلوات لـ ألا تكوني أنتِ ، أشعر بنغزة عنيفة في جانب صدري الأيسر ، أرجو ألا تكوني أنتِ .. نفسي يتسارع عزيزتي وأنا جاهل بما يدور ، أرجو ألا تكوني أنتِ..‏موسيقاي تدوي بشكل غريب للمرة الأولى ، أنا خائف للغاية ، أرجو ألا تكوني أنتِ ..

لماذا أشعر بالثقل هكذا ولماذا أسقط أرضا بكل هذا العنف ، لحظة أرى الظلام رويداً رويداً والسواد يُحيطني، كفاك عبثاً.. أنا لا أستحق ذلك صدقيني ، أرجو الا تكوني أنتِ ، عزيزتي أنا خائف تعالي ، أرجو ألا تـ كـ و نـ ي أنـ تِـ. .