بندر الحربي
بندر الحربي

د

أحمد زكي وعلم نفس السينما

لا أعرف لماذا تذكرت شخصية أحمد زكي في فيلم (زوجة رجل مهم) وأنا أقرأ النسخة العربية لكتاب السينما وعلم النفس للمؤلف سكيب داين يونج وترجمة سامح فرج. فأحمد زكي البارع في التماهي مع شخصياته إلى حد تصديقها، أدى في هذا الفيلم تحديدًا دورًا مُقِنعًا من خلال تقمّص شخصية رجل نرجسي اصطدم بأنانية طموحه وصعوبات الحياة، وانحدر بين مرايا شقته وجدرانها البيضاء إلى مزالق الاكتئاب فهاوية الانتحار بطريقة مثيرة.

قد أكون تذكرت ذلك بسبب التأثير النفسي المتبادل بين صناع الأفلام والمشاهدين الذي كتب عنه يونج. فالأفلام كما يقول منتجات مادية للنشاط الاجتماعي الحقيقي، مليئة بالعناصر النفسية من زوايا مختلفة، فهي تتضمن السلوك والمشاعر البشرية، والصراع اللاوعي، والاضطرابات النفسية، وغيرها. وبطبعي أجد فضولاً في اكتشاف هذه العلاقة الثنائية التي تجمع بين العلوم المختلفة أو الظواهر الاجتماعية والنفسية، مثل تلك التي أبدع مالكوم جلادويل في ملاحظتها، ودونها في كتبه: “التفكير اللمّاح” و”المتميزون”، ويعود سبب إبداعه هنا كونه صحفيًا، فقد حررته هذه الخلفية من الالتزام البحثي الصارم، وأتاحت له أن يطور أفكاره ويمزج بين تجاربه والعلوم المختلفة.

ويستمر كتاب يونج في كشف هذه العلاقات، حين يقول إن عقولنا تعمل بنشاط كبير ونحن نشاهد الأفلام، وعلى المستوى الأعمق، ندرك حسيًا ما يتضمنه الفيلم من صور وأصوات، وثمة ألغاز عميقة عن أسباب استمتاعنا بالأفلام بأنواعها، ففي الأفلام الكوميدية التي تميل إلى السخرية من كل صور الضعف البشري، تقول أحد التفسيرات النفسية أن متلقي النكتة أو المشاهد يكتسب مكانة متفوقة حيال موضوع الدعابة من خلال الاستهزاء بها، والتفسير الآخر يقوم على نظرية المفارقة والنهاية غير المتوقعة. في حين أن مصدر المتعة في أفلام العنف، هي تلك الغريزة المحفور في شفرة البشر الوراثية، ولكن البشر اليوم، يعبرون عنه رمزيًا. وكذلك هو الحال مع أفلام الرعب التي تستغل كل المخاوف الإنسانية، تفسرها نظرية الميول، التي تقول إن التخلص من القلق المستمر يزيد المكافأة النهائية. أما مصدر المتعة في مشاهدة الأفلام الحزينة فهي تتعلق بالأشخاص الذين يعيشون حالة من الشعور الحميم، فأولئك يشاهدون الفيلم لمعانيه وليس للشعور من خلاله.

لا غرابة إذن أن يكون فيلم (زوجة رجل مهم) والأعمال الإبداعية الأخرى في السينما نبع ينضح بالسلوك والمشاعر البشرية الواعية واللاوعية، سواءً من جانب صُنّاعها، أو من مشاهديها الذين تزداد تجربتهم كثافة من خلال تلك المتعة التلصُّصية المتأتية من التطلع الى مشاعر الأخرين وسلوكهم النفسي. ولا غرابة أيضًا أن تكون أولسيرة نفسية في التاريخ هي التحليل الذي قام به فرويد لحياة ليوناردو ديفينشي وأعماله الإبداعية. ولا غرابة أيضاً أن يحمل تعريف الكتاب مثل هذه الكلمات: “إن الأفلام السينمائية جميعها تَنبِض بالحياة من الناحية النفسية، وتتفجَّر بالدراما الإنسانية؛ دراما يمكن رؤيتها من زوايا عديدة مختلفة؛ في الأفلام ذاتها، وفيمَن يصنعونها، وفيمَن يشاهدونها”.

  • نشرت سابقاً في صحيفة اليوم. هنا مُحدثة.