نادين عبد الحميد
نادين عبد الحميد

د

كيف تكون سجينًا بينما أنت حرٌ؟

الحرية لها عدة مفاهيم وصور مختلفة، هل هي أن تكون حرًا لا تكبلك القيود؟ أي حرًا في انتقالك من مكان إلى آخر دون أن يمنعك شيء، وهو معنى سطحي حيث يقتصر الناس الحرية على هذا المفهوم الضيق والمحدود، قد تكون حرًا بلا أي أسوار تحيط بك من الخارج، ولكنك سجين في سجن لاشعوري لا تراه أنت ولا يدركه أحد غيرك، سجنٌ تسجن فيه نفسك قبل أن يسجنك الآخرون، فكيف يسجنك أحدهم وكيف تقع أنت ضحية لسجن الوهم؟

كثيرًا ما يفقد الإنسان المعلومات الأولية لكي يحمي نفسه من نفسه ومن الآخرين، كأن يتسلح بدرع من الثقة في اختياراته وقناعاته، فلا يكن إمعة ضعيف الشخصية منعدم الهوية يهتز لأي حدث كان أو ينجرف وراء أي هجوم من الخارج مشككًا فيما تبناه مندفعًا نحو ما يدعيه الآخرون من حوله، ذلك الضعف قد يكون أخطر من أي شيء آخر، كالجندي الذي يخوض الحرب بلا سلاح يدافع به عن نفسه، فهو معرض للقتل مع أول ضربة تصوب تجاهه، كيف يغفل العالم عن أهمية أن يتزود الإنسان بالوعي الذي يحميه من الآخرين إذا تعمدوا أن يهدموا كيانه؟

ذلك الإنسان كثيرًا ما يواجه الحياة بروح مشوهة، وطاقة منعدمة، تملأه الثقوب من شدة ما اعتراه الألم وأصابه الوهن النفسي، إنسان بلا حائط يحتمى خلفه.

أظن أن أشد ما يواجهه في تلك الأثناء هو التحول المفاجئ الذي يصيب صوته الداخلي، الطفرة التي تجعل شريكك في السكن يتحول إلى جلاد، كيف يثق أحدهم في الصوت الذي اعتاد على أن يصوب إليه الضربات بعد أن كان داعمه الأول الذي يدفعه إلى الاستمرار، الشك الذي يصيب قلبك فتفقد الثقة في كل شيء وفي كل شيء، اضطراب من نوع خاص جدًا يهز الكيان من الداخل والخارج، ويأخذ صاحبه إلى مرحلة معقدة تجبره عاجلًا آم آجلًا أن يعيد التوازن الخاص به إلى فطرته الأولى.

من المؤكد أن المرور بالتجارب التي تفقد الإنسان ثقته في نفسه هو ما يجبر الإنسان على أن يواجه نفسه وجهًا إلى وجه، تلك المواجهة التي يهرب منها ويخشاها في كثير من الأحيان، على الرغم أن من الذي يغفل أهمية تصالحه مع ذاته وتأكيده على كل مبدأ يتمسك به وكل قضية يتبناها هو ما يصنع الإنسان ويجعل منه نسخة غير قابلة للنسخ أو التشويه.

أخيرًا يجب أن يدرك كل إنسان أن مواجهته للحياة اليومية تحتم عليه أن يدرك كل الإدراك أن كل ما يملك في الحياة هو نفسه، إذا خسرها في تلك المواجهة فقد خسر كل شيء، وإذا سعى إلى تطويرها لكي تحمي نفسها قبل أن تحمي الآخرين فقد أدرك خيرًا كثيرًا، وأن لا يسمح لنفسه أن يكون عدوًا لنفسه، ذلك الفوز الذي يحققه عدو لك حينما تصبح عدوًا لنفسك، والسؤال الأخير والأهم هل حقًا الصوت الذي بداخلك الآن هو صوتك أنت؟ ذلك السؤال الذي يجب عليك أن تتأكد منه دائمًا.