سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

في انتظار البربر

“في انتظار البربر” حين تحاكي السينما الواقع ببشاعته.

يبدأ الفيلم بتقديم منطقة حدودية هادئة نسبياً، يحيا خارجها مجموعة من البربر. في البداية تكون الأمور متوترة بين الطرفان، ولكن يمكننا القول أن كل شيء على ما يرام. بشكل ما!

يبدأ كل شيء بحضور ضابط برتبة أعلى لتفقد المكان، ومراجعة تلك النقطة وتأمينها في حال لزم الأمر.

يعرف الضابط المنتدب جيداً أن المكان وما يحدث به لن يؤثر سلباً على تأمين الحدود أو وطنهم الأم، لكنه مع ذلك يبحث عن حالة أو قضية كبيرة ليعمل عليها، حتى يثبت جدارة وليري من بعثوه بأن المكان كان في فوضى عارمة حتى جاء هو لينقذ اليوم.

يغادر الضابط المنتدب بعد حصوله على اعترافات حصل عليها بعد تعذيب وترويع لبعض أهالي المنطقة، ليجلب المدد والعون لمعالجة الأمر. تاركين المسئول بالمكان معتقداً أن الأمور انتهت عند هذا الحد، ليفاجأ بعودتهم مرة آخرى مع بعض الجند للسيطرة على الحرب المنتظرة التي بشر بها المنتدب. لينهبوا كل خيرات المكان من مأكل ومشرب، حتى النساء لم يسلمن من آذاهم. طيلة الوقت ينتظر الجميع رحيلهم وعودة الأمور لنصابها ونسيان الأمر، ولكن بعد ما فعله الضابط المنتدب بأهل المنطقة، وما فعله برجاله في المعسكر الحدودي، هل يعود أي شيء لما كان عليه؟

يغادر الجميع بعدما يقوم البربر في المنطقة بقتل الرسول وإعلانهم الحرب_ جدياً هذه المرة_ تاركين ورائهم معسكر خرب لا يقوى على محاربة ذبابة، بعدما أفسدوا كل شيء. يغادر الجند أخذين معهم كل ما له قيمة أو يمكن استخدامه للدفاع عن أنفسهم، تاركين المعسكر خاوي من كل شيء، تاركين الرجال خلفهم معتقدين أن الأمور انتهت عند هذا الحد!

معتقدين أنهم آمنين بعد رحيل الضابط المنتدب ورجاله، ولأنهم تعرضوا للأذى على يد نفس الرجال، لكن من يخبر الرجال على الجهة الآخرى بما حدث؟ ومن يحدد على من تقع مسؤلية ما حدث؟

أشاهد الفيلم الذي ينتهي نهاية مفتوحة تاركاً لنا تخيل ما سيحدث، وأتذكر ما حدث في أوكرانيا، وأتذكر وعود حلف الناتو للبلدة التي تحارب وحيدة الآن. أتذكر المعارك الوهمية الزائفة، والنعرة الوطنية التي تحدث بها الضابط المنتدب الذي كان يبحث عن لذة لحظية لا تساوي أي شيء، لعدم أهمية المعسكر البعيد على الحدود، وأتذكر خطابات بوتين عن عودة أمجاد الماضي، وعن بلدتهم العظيمة التي آن لها أن تستعيد أيامها المجيدة، متناسياً البلدة المجاورة التي لا تهتم بأي من هذا.

الوحيد الذي أعترض وحاول التصرف بأدمية في الفيلم، سخر منه الجميع، مأكدين على أن المكان والزمان لن يخلدا ذكراه، خاصة مع التأكيد على أن البربر بالخارج الذين تم التعدي عليهم، لن يهتم بهم أحد الآن ولا بعد مئة عام مما يحدث.

في حالة أوكرانيا، لم يكن العدو هنا أناس من خلفية ثقافية آخرى، ولا من قارة آخرى؛ فاختلف الوضع، ووجدنا كل دول العالم تقف إلى جانبهم وتدعمهم _ عاطفياً ومادياً_ وهو ما لم تحصل عليه العديد من بلداننا التي تم تدميرها على يد قادة الغرب، لعدم أهمية تلك المنطقة، وعدم أهمية من تم التعدي عليهم. ربما تم ذكر بلادنا العربية أثناء الصراع، للتأكيد على أنهم مختلفين بالتأكيد، وأنهم على عكس ما حدث معنا لا يستحق أي منهم أن يعاني من ويلات الحرب والدمار.

في الفيلم تدور الأحداث في الماضي السحيق، وفي الفيلم لا يكون الطرف المعتدى عليه على قدم المساواة مع المعتدي. يأتي البربر لينتقموا ممن لم يشتركوا بشكل كامل فيما حدث لهم. ممن كان يبحث عن بعض التعاطف أو الرحمة لهم.

وفي الحقيقة، يتحدث الجميع عن أوكرانيا وما تعرضت له على يد الغرب الصديق، مقارنين موقفهم بإسرا.ئيل الشقيقة التي تعرضت من العرب الأوغاد لما تعرضوا هم له، وعن ضرورة توقف تلك الإعتداءات فنحن أفضل وأرقى، وأجمل وأعلم، وأنقى وأطهر، ومن نفس السلالة ونستحق الحياة، على عكس الآخرين.

ليتركونا في حالة دفاع عن أنفسنا وعن حقنا في الحياة، والتعاطف والدعم المادي والعاطفي، بدلاً من التعاطف الغير مجدي في كل الحالات.

ليتركونا مدمرين، ليس بنفس الدرجة ولكن أبشع، فحتى التعاطف والذكر لمن يستحق الدعم، تم محوه ليحل محل التعاطف مع من هو أفضل.

بالتأكيد يستحق الجميع الدعم، ويستحق الجميع الحصول على حياة آمنة، وكلنا في وقت المصائب نضع أنفسنا في المقام الأول، لكن للأسف بدل من محاسبة المسئول كل مرة، يبحث الجميع عن المستضعفون أمامهم لينتقموا منهم، يبحث الجميع طريقة ليفرغوا بها غضبهم وحزنهم، فتجد البلاد الغربية تصب غضبها على بلادنا العربية، أو البلاد الأضعف، وتجد بلادنا العربية تنقسم لجماعات، كل جماعة ترى نفسها هي الأحق بالحكم والحياة، لتأتي على من هم أضعف وهكذا، لتستمر العجلة في الدوران، ونظل جميعنا قابعين في قلق وتخوف في انتظار عواقب وتبعات أفعال الآخرين التي وحدنا ندفع ثمنها لكوننا الأضعف والأقل مكانة في عجلة الحياة..