سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

على الحافة

شاهدت فيلم ميونخ: حافة الحرب على عدة أيام. بالطبع جميعنا يعرف ما آلت إليه الأمور في النهاية، لكن معرفتي لم تجعل المشاهدة أسهل بالعكس.

التفاصيل الصغيرة التي لم أعرفها من قبل، ورؤية تحول وتطور شخصية “بول فون هارتمان” ذكرتني بنفسي وبالكثير من المحيطين بي.

التعصب الغبي الأهوج، والحماس الذي ملئ نفوسنا جميعاً عدة مرات. أعتقادنا في كل ما سبق أننا وصلنا لنهاية آمنة مريحة، مكان هادئ ومستقر في الحياة، أو هكذا نعتقد وقتما يعترينا الحماس ونبالغ. يمر الوقت وتتكشف لنا الحقائق وندرك مدى الحماقة وفداحة ما ارتكبناه في حق أنفسنا وحق الآخرين.

في الفيلم يعتقد “بول” أن انتخابه لهتلر سيعيد بلادهم للصدارة ويجعل وضعهم أفضل مما هو عليه بالفعل، لو تغاضى فقط عن بعض المسائل الصغيرة التي لم تعجب الكثيرين وقتها والعنصرية الواضحة ضد كل ما هو غير ألماني آري. لم توافقه صديقته وقتها على ما يفكر به في الجزء الأول، لنراه في الجزء الثاني من الفيلم يحاول بشتى الطرق التخلص من حكم هتلر بأية طريقة كانت، ليصلح الأوضاع التي يرى نفسه مسئول عنها بشكل أو بآخر.

بعضنا محظوظ عن البعض الآخر، ولا تضعه الحياة في مثل تلك المواقف، فقد نخطئ في قراراتنا الحياتيه التي لن تؤثر سوى علينا نحن. بالطبع لا يمكننا المقارنة، ولن نقوم بها، فكل منا في النهاية شغله الشاغل هو نفسه في المقام الأول.

نحاول أن نطور من أنفسنا ونحسن من حالتنا، نبحث عن راحتنا وإستمتاعنا وصالحنا. نتأثر من أجل الأخرين ونتعاطف معهم ونشعر بألمهم بكل تأكيد، ولكن في النهاية لا نتعلق بأي شيء خارج دائرتنا لوقت طويل ،ولا يحق لأحد أن يلومنا على هذا.

قد نخطئ في حق أنفسنا أخطاء لا يمكننا التراجع عنها، أو تلافي عواقبها. وقد نخطئ في حق المحيطين في الدائرة القريبة، أو حتى الدوائر الواسعة. أخطاء تبدء من الصفر وقد تنتهي لأبعد مما قد يتصوره عقل.

بعد مرحلة الحماس والاكتشاف يختلف وضع كل منا على حسب طريقة تفكيره وعقليته، وعلى حسب الموقف ذاته. هناك أشياء يمكننا التعايش معها، وأشياء نتجاهلها، وأشياء آخرى تظل حاضرة بقوة في محيطنا حتى النهاية لا يمكن تجاهلها أو التعايش معها.

يرافقنا وقتها أحساس بشع بالندم والذنب على ما إرتكبناه، وما كان يمكن تجنبه لو كنا أوسع صدراً لنسمع ونرى ونفهم ما نحن مقدمون عليه.الأهم في النهاية أن لا نكف عن المحاولة، وأن لا نكلف نفسنا ما لا يمكننا تحمله. لا أقصد أن ننكر صنيعة أيدينا ولا التملص من عواقب ما فعلناه، لكن أن نتعقل ونتصرف بحكمة ولا نعطي لأنفسنا حجماً أكبر من حجمنا الحقيقي لنعاقب أنفسنا بأفظع الطرق التي لا نستحقها، ولن تفيد في حالة تفاقم الأمر. يكفي أن نعترف بما اقترفناه لنتعلم مما حدث، ونتقدم لنرى كيفية إصلاح الوضع وعدم تكرار مثله في المستقبل.