ياسمين غُبارة
ياسمين غُبارة

د

علاقتي المُرتبكة بالسوشيال ميديا!

لا أستطيع أن أتعامل مع أشياء لا أجد لها منطق فى حياتي ، وحتى هذه اللحظة لا أستطيع أن أجد منطقًا لاستخدامي للسوشيال ميديا، ولا أعلم هل هى مربكة فى حد ذاتها أم أنها مربكة لذاتى فقط، كل ما أعلمه هو أن هذا التفاعل بيني وبينها ولو حتى بمجرد التصفح له تأثير أكثره بالسلب على اتزانى النفسي وصفاء ذهني.

قمت بالعديد من المحاولات حتى أجعل السوشيال ميديا جزءًا لا يتعارض مع سلامي النفسي .. قررت أُلا أُدخلها على كل ما هو خاص وشخصي، وأن أجعلها فقط نافذة على العالم بصفة عامة وعلى العالم الثقافى الذى أهتم به بصفة خاصة ،والذي ليس له أى نافذة حقيقية إلا من خلال مواقع السوشيال ميديا ، ولكنى وجدت أن المحتوى الشخصي موجود دائمًا إن لم يكن منى فمن الآخرين الذين قد لا أعرفهم معرفة حقيقةً. قادني ذلك إلى التفكير في أن أجعل الحساب مغلقًا على الصداقات والعلاقات الحقيقية فقط، وأتابع ” الجروبز ” الخاصة بالكتب والتى لا يوجد عليها أى شىء شخصي وهو يبدو حلًا منطقيًا، ولكنى أجد جانب منى يرفض تلك ” القصقصة ” وهو ذلك الجانب الذى يريد المشاركة والتأثير ، وذلك يتطلب الخروج إلى دائرة أوسع من دائرة الأصدقاء المقربين.

أظل أفكر… هل أحتاج إلى السوشيال ميديا فعلًا أم أنى فقط اعتدت على وجودها، هل هى مشتِّتة للذهن أم أننا نُسيء استخدامها ؟ هل العلاقات بين البشرمن خلال السوشيال ميديا تحقق نوع من الونس وتبادل الخبرات والتجارب أم أن أكثرها علاقات كالسراب كلما اقتربت وجدتها تبتعد حتى تتلاشى تمامًا فى يوم ما؟
يُدهشني أحيانًا أننى إذا تواصلت مع أصدقاء العالم الافتراضي من خلال التعليقات على الصفحات المختلفة ، نتحدث بود ومزاح وكلمات الإطراء و”الايموجيز”، ولكن إذا ما قابلتهم فى الحياة الواقعية أشعر بالارتباك الشديد فلا أستطيع أن أتفاعل بنفس الطريقة التى أتعامل بها على السوشيال ميديا لأنى أُفاجأ وهم أمامى على أرض الواقع بإحساسي أنهم أغراب عنى ، و أجد فى نفسي الخجل والحذر وكأني أبدأ فى تعارف جديد فأشعر فى تلك اللحظة بالازدواج فى داخلي، وأبدأ فى التساؤل عما إذا كان جزءًا كبيرًا مما يحدث على السوشيال ميديا مزيفًا، وكيف أتصالح مع فكرة أن أقضى وقتًا طويلًا من يومي فى شىء لا أعلم صدقه من زيفه وما الهدف من كل ذلك؟! ..

جربت أن أوازن هذا الارتباك بالوقت، بمعنى أن أحدد وقتًا معينًا للسوشيال ميديا فى يومى، إذا التزمتُ بذلك الوقت فقد أحقق الغرض الذى أعتقده فى السوشيال ميديا دون أن يصيبنى قدر كبير من تأثيرها السلبى، وبالتجربة اكتشفت أن 20 دقيقة كل يوم هو الوقت المثالى بالنسبة لى، وأكثر من ذلك قد يُدخلنى فى دائرة من الشعور السلبي، والغريب أن هذه العشرين دقيقة تمر على إدراكي وكأنها خمس دقائق، و عندما أترك المواقع وأنصرف إلى الحياة الواقعية؛ أجد نفسي مشتتة وكأني مازلت هناك، وغالبًا ما أحتاج وقتًا إضافيًا حتى أنفصلَ وجدانيًا عن كل ما مَرَّ عليه ذهني وبصري فى العالم الافتراضي، وأتمكن من التواجد بشكل كامل فى واقعي.

نصحتنى طبيبة نفسية بأن أحذفَ تطبيقات السوشيال ميديا تمامًا من على الهاتف عندما أجد نفسي انجرفت لنوع من الإسراف فى استخدامها و أن أدخل إليها من “جوجل” إذا احتجت إلى ذلك . ساعدنى ذلك الاقتراح فى تقليل أوقات التصفح إلا أنه أخافنى من نفسي، وذلك عندما وجدت أني حتى بعد مسح التطبيقات أبحث عنها بشكل لا إرادى كلما أمسكت الهاتف، تمامًا كمن يظل يفتح صنبور المياه مع أنه يعلم تمامًا أن المياه مقطوعة، أو يضغط بيده على مفتاح النور بشكل آلى رغم معرفته بأن المصباح معطل .. وهنا فهمت أن المعرفة شىء والإدراك شئ آخر، وإننا أسرى لعاداتنا قبل أى شىء.

فى لحظات سلامة الإدراك وصفاء الذهن؛ أجد نفسي تقترح عليّ وبقوة أن أُغلق حسابات السوشيال ميديا تمامًا وأحيا دونها، ولكنى أجد نفسًا أخرى تقف أمامى بوجهٍ عابس كالأطفال وتسألنى باستجداء: “ونختفى عن العالم ! نصبح غير مرئيين .. كمن لبس طاقية الإخفا؟!”.. فمع ظروف الكورونا واتجاه ثقافة التجمعات إلى الانعدام؛ أصبحتُ أشعر فعلًا بأنى غير مرئية، الناس كلها سواء: عيون وكمامة، وأصبح التفاعل دائمًا ما يشوبه حذر يجعل الافتراق أسهل من اللقاء، وأصبحت السوشيال ميديا هى المكان الآمن الذى يمكن أن تلتقى فيه بالآخرين، ورغم معرفتنا أنه لا مجال للعاطفة الصادقة على صفحات السوشيال ميديا، إلا أننا مازلنا نمر بأصابعنا على الشاشات بحثاً عن الونس والاهتمام والتواصل الذى يظل مبتورًا رغم كل “الايموجيز” . أخبرتني صديقة يومًا وهى تحدثنى على “الواتس آب” بعد أن وضعت “ايموجى” ضاحكًا مرات عديدة فى نهاية كل جملة ترسلها: “أتعلمين أنى أبكى الآن وأنا أُرسل إليكِ تلك الوجوه الضاحكة؟! “
هنا أدركتُ أنى قد أكون فى أسوأ حالاتى وأنا أكتب كلمة إطراء أو كلمة “مبروك”، أو أضع رمز”القلب” للتفاعل على “بوست” أو صورة ، قد أتبادل تعليقات ودودة باسمة على الشاشة فى حين أنى أصرخ فى ابنى أو ابنتى فى نفس اللحظة فى العالم الواقعى ، رغم كل ذلك إلا أننى مازلت لا أستطيع إغلاق تلك الحسابات لأنها من النوافذ المهمة لأى شخص يحاول تقديم محتوى – وكلنا أصبحنا أصحاب محتوى ما فى السنين الأخيرة – كما أن كل عملية بحث عن شىء ما فى الحياة قد تتطلب وجود حساب لك على أحد صفحات السوشيال ميديا.

بعد كل دورة صراع داخلي مازلت أعود لنفس النتيجة “قاعدة العشرين دقيقة”، وأستخدم سلاح مسح التطبيقات بين الحين والآخر بحثًا عن التوازن، وأتمنى أن أتذكر دائمًا أن التوازن هو أن تتحكم فى الأشياء ولا تجعل الأشياء تتحكم فيك .. أن تكون كل مكونات الحياة فى خدمتك وجودك وليس العكس، أن تمسك بعجلة القيادة وعيناك صوب الهدف فى رحلة مليئة بمحاولات تصحيح المسار آملين أن نصل يومًا دونما ارتطام.