سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

عرض جانبي

سمعت خطبة عصماء ألقيت منذ زمن بعيد عن حقوق المواطنين، وكونهم سواسية أمام المجتمع والقانون. خطبة تؤيد حق كل منهم في الحياة بغض النظر عن دوره أو أهميته للدولة أو مكانته أوالقيمة المالية التي يمثلها.  يكمل الخطيب كلامه أن البعض يرى أن أمثال هتلر وموسوليني خير مثال يحتذى به في حالة بلادهم تحديداً، وبأن موت البعض ما هو إلا عرض جانبي يمكن التغاضي عنه بكل تأكيد.

ما أثار انتباهي أن الكلام لاقى استياء رهيب من العامة، ومن الأغلبية العظمى وقتها؛ بينما في وقتنا الحالي أسمع نفس الكلام ولكن بشكل عكسي تماماً!

 اليوم أسمع نفس الخطاب من العامة والمواطنين الغير ذي أهمية كبرى أو صفة سياسية بأن موت البعض قد يكون مكسب في العديد من المواقف. أن هناك من هم أولوية كبرى لكل بلد يليهم الأقل أهمية، وهكذا حتى تنعدم الأهمية والصفة..

لن أعلق على نقطة الأولوية والأهمية، لأنها صحيحة. لكن كيف نجح أحدهم في جعل أي شخص يعتقد أنه غير مهم؟ وأن موته ما هو إلا عرض جانبي؟

ودعني أؤكد لك أننا لا نتحدث هنا عن تضحيات الشهداء وما يماثلها. بل تضحية لتنمية ثروة أحدهم، أو بسبب خطأ وقع من أحد الأشخاص ذوي الأولوية القصوى. نتحدث عن كونك أقل من رقم قد يكتب بأحدى الكشوف حتى يحيا الآخرون، أو من بقي منهم.

ما آثار انتباهي وقتها واستفزني أنني أصبحت أسمع الفئة الأضعف تردد نفس الكلام بمنتهى السلام النفسي. فيعلق أحدهم أن الحياة ليست للجميع، ويقرر أن يمنح بركاته وموافقته_ التي لم يطلبها أحد_ لما حدث من خسارة أو تضحية على حساب أرواح الآخرين من أمثاله، ليستفيد من هم في مكانة أعلى.

الخطبة القديمة كانت تتحدث عن مكاسب سياسية ومكاسب مالية على حساب الغير. كانت تتحدث عن تحكم القادة ومن حولهم في كل شيء حتى حيوات شعوبهم. وقد نفذ العديد من الطغاة منذ بدء الخليقة هذه السياسية بدون أخذ الاعتراضات بعين الاعتبار. وقتها كانت الأغلبية تشعر بحقها في الحياة وكانت تعمل على المطالبة به والمحافظة عليه، وهو ما تغير ولو بنسبة صغيرة جداً لكنه يعد تغير على كل حال.

مهم أن يعرف الجميع مكانته وقيمته الحقيقية، وأن لا نضع أنفسنا في مقارنة مع الغير. أن نعرف قيمة الآخرين ودورهم الهام الذي قد يختلف كل الاختلاف عن ما يمكننا يوماً أن نفعله، بدون أن ندع هذه المعرفة تؤثر على حكمنا على أنفسنا وألا تجعلنا نقسو عليها أكثر من اللازم، والأهم من كل هذا أن ندرك أننا جميعاً نستحق فرص متساوية، وأن لا نجعل أحد يقنعنا أو يشعرنا حتى أننا مجرد رقم أو مجرد أناس على هامش الحياة أو أننا آتينا لنرحل كعرض جانبي.