إنجي الطوخي
إنجي الطوخي

د

«ريفو» دراما موسيقية حالمة ..أم رثاء الثورة بهدوء؟

يتساءل المرء عندما مشاهدة مسلسل ريفو آخر أعمال منصة watch it، هل المسلسل يناقش أحلام الشباب فى فترة التسعينيات وشكل الفرق الموسيقية آنذاك ..أم أنه فى حقيقة الأمر إسقاط على الجيل الحالى الذي كان مفعم بالأحلام مع نهاية عام 2010 وبداية 2011 ثم تلاشت تلك الأحلام كلها دفعة واحدة، فلم يبقى سوى الواقع القاسي الذي يجب أن يتأقلموا معه  بلا أى مخرج للهروب سوى  بالكتابة والفن.

«الموسيقى هى آلة الزمن»

تلك الجملة الأيقونية التى تأتى على لسان أحد أبطال المسلسل يوسف فخر الدين ستكون بمثابة «مانيفستو» للمشاهد خلال الأحداث، أما يوسف نفسه فهو الكاتب المشهور الذي يتوفى فى أول الحلقات، وبموته تبدأ الأحداث، فابنته مريم  المخرجة الصغيرة تكتشف وجود عمل فنى له لم يكتمل، تحاول أن تستكمل هذا العمل بكتابته بنفسها، ولكن تواجهها مشكلة أنها لا تعرف حقيقة فرقة «ريفو» وتقودها عملية البحث إلى اكتشاف حقائق غير معروفة عن عائلتها، مثل زواج أبيها السابق، وفى نفس الوقت تكشف النقاب عن أعضاء الفرقة واحدا واحدا..

«أنا نجم بس مفيش سما»

يستعرض المخرج يحيي إسماعيل نظام الفلاش باك فى الكشف عن تاريخ أعضاء الفرقة، من خلال تسجيلات الكاتب يوسف فخر الدين التى تستمع إليها ابنته مريم، بالإضافة إلى الحكايات التى تسمعها منهم لاحقا، يظهر التنوع فى شخصيات الفرقة الموسيقية، فهناك الحالم شادى الذي يرغب فى تغيير الأغنية المصرية وترك اثر فيها.

وهناك مروان ذلك الشاب الخجول الذي يحلم بأن يتوقف عن كونه ظل لوالده وأسرته وأن يكون بطل حياته، ومدحت الذي يلعب مزيكا من أجل المال بعد أن خذله الأستاذة في معهد الكونسفتوار، وماجد الشاب الذى يلعب الموسيقى لأنها فقط يحبها ويجد نفسه من خلالها، وكأن كل شخصية تقدم قطعة صغيرة في فيفساء كبيرة ترسم شكل الشباب المصري وأحلامهم في فترة التسعينيات التى كانت بسيطة وهى أن يكونوا أنفسهم فقط

العودة إلى الحاضر

تنتقل الأحداث عبر الزمن لتقدم الفرق بين حال أعضاء الفرقة في الوقت االحاضر، حيث يبدو التناقض الشديد بل والمفارقة، فهناك من اتجه إلى عالم المال والبيزنس وترك الموسيقى تماما، وهناك من قرر أن الموسيقي حرام وعليه أن يقتصر على العبادة، وآخر سافر خارج مصر ليصنع واقع جديد لنفسه.

وأخيرا كان هناك مروان الذي لم يستطع مجابهة هذه التغيرات فقرر الانتحار 4 مرات وتم حجزه في مستشفي للصحة النفسية، أما شادي نفسه فلا يكشف مؤلف المسلسل محمد ناير عن مصيره بالضبط سوي أنه توفي، بينما تكتشف مريم في ظل رحلتها لكتابة سيناريو المسلسل ومطاردة المنتج لها وسرقة جزء من السيناريو المكتوب أنها على صلة قرابة مع شادي، وتتوقف الأحداث عند هذه النقطة لتنذر بوجود جزء ثان في الطريق.

دراما موسيقية وسياسة

يقدم المسلسل وجبة متكاملة من الدراما الموسيقية التى كانت غائبة عن الدراما المصرية لفترة طويلة، تتجلي فى مناقشات  حول  شكل الموسيقي المصرية  مع المغني حسام حسني الذي يظهر بشخصيته الحقيقية، ومناقشات بين «شادي» والكاتب «يوسف فخر الدين» حول إمكانية التأثر بالموسيقى الغربية، لكن ليس هذا هو البعد الوحيد للمسلسل الذي يحمل الكثير من الدلالات، ومنها ما  يمكن إسقاطها على الواقع المصري حاليا قد تكون مقصودة او غير مقصودة من المؤلف.

وفاة الحلم

هل المسلسل يعبر عن التغيرات الجذرية التى حدثت للمجتمع المصري وأحلامه في فترة التسعينيات والألفية الجديدة..أم أنه بشكل رمزي يقدم لمحة عن التغيرات التي حدث في آخر 11 سنة من تاريخ المجتمع؟..

الإجابة تحتمل قول نعم لكلا السؤالين، فشخصية شادي نفسها ترمز إلى الحلم بالتغيير الذي انتشر بين الشباب في آخر 10 سنوات وتجلي مع أحداث الثورة ثم مات بشكل غامض بالنسبة للكثيرين دون معرفة السبب الحقيقى ، وشخصية ماجد تمثل قطاع كبير من الشباب الذين قرروا الهجرة بحثا عن أمل وواقع جديد في الخارج.

وشخصية مدحت أكثر شخصية قريبة من الواقع وفيها رمزية إلى استخدام الدين وسيلة للهروب من الأحساس بالفشل وعدم القدرة على تحقيق الأحلام، وشخصية أحمد الذى يتخلى عن أحلامه طواعية من أجل الأمان المادي والذي لجأ لدخول عالم رجال الأعمال.

رثاء رومانسي حزين

 أما شخصية «مروان» والذي يعد المحرك الرئيسي للأحداث مع مريم، فهو يمثل جيل كامل كان يرى في التغيير وسيلة لأن يكون له تأثير حقيقي في مجتمعه، وعدم قبوله لموت شادي وانتهاء حلم الفرقة الموسيقية و محاولات الانتحار لشعوره بموت حلمه، ثم إنكاره لوجود الفرقة كلها لمحاولة التأقلم مع الواقع فهي شخصية معبرة بشكل حقيقي عن واقع كثير من الشباب بعد انتهاء أحلامهم مع اختفاء موجة التغيير التي كانوا يحلمون بها وبتحقيقها، بل ويمكن القول أنه لا يوجد من لم يمر ببعض من تلك المشاعرالمليئة بالحزن والشجن، ليصبح مسلسل «ريفو» في النهاية ليس مجرد مسلسل موسيقي بل عصا ترثي جراح أحلام الشباب في مصر لكن برومانسية حالمة.