عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

روح العالم ….

من الصعب أن نتخيل الحياة بلا روح ، فما البشر إلا ارواح تمشي وتتكلم وتفكر ، ولكل شيء في العالم جوهر والجوهر يعني القاعدة والأساس ، فالمادة تنعدم بتلاشي الكينونة وسر الوجود ، والنور هو قلب النهار وعلامة لرحيل الظلام.

 و على هذا فلا تزال الشمس هي ملكة الكون المتربعةعلى عرش الجمال والسحر ، فإن بزوغ شعاعها يتسلط على الأفئدة والعقول ليمنحها الراحة والاطمئنان ، فالإنسان في حاجة دائمة إلى النور لأنه يكشف الأشياء ويحدد ألوانها ، وللشمس تأثير مباشر على حياة الإنسان، وبعض الناس يرون فيها رمزاً ربانياً، على الرغم من أنها مجرد جرم سماوي كغيره ،ولكن العلم الحديث يبين لنا اليوم مدى التأثير الفعلي للشمس على النظام الكوني ككل.

ترتبط الشمس بالسعادة وجوداً وعدماً، فإن غياب الشمس يتسبب للبعض في أمراض الاكتئاب ، ولهذا ينصح الأطباء النفسيين المرضى بالسفر إلى الأماكن المشمسة والابتعاد عن الأماكن المظلمة.

تعاني غالبية الدول الاسكندنافية من غياب الشمس المستمر مما يجعل سكان تلك المناطق أكثر عرضة للأمراض النفسية ، وزيادة حالات الانتحار رغم التقدم الاقتصادي الغير مسبوق والرفاهية الملحوظة التي تظهر على غالبية السكان ولكنهم في حاجة ملحة إلى روح الحياة (الشمس) مما يضطر البعض منهم للسفر إلى الدول المشمسة للعلاج.

ربما لا يشعر البشر المتعافين بتلك النعمة التي يمثل اختفائها مرضاً ووجودها شفاءً ، فمن يمتلك النعم قلما يعرف قيمتها لأنه لم يجرب انعدامها , فالاعتياد على الشيء يفقده قيمته.

هل خطر ببالك أن يكون دواؤك في جرعة من الطاقة الشمسية ؟

 إن الفكرة في حد ذاتها ليست جديدة علميًا ولكنها ربما تبدو نوعاً من الفانتازيا الحوارية في البلاد التي تنعم بالشمس ، فالنهار يأتي كل يوم بسطوع الشمس وفي الليل يضيء القمر وتلمع النجوم والايام تدور على ذلك النهج المنظم بلا تأخير، أو تعجيل وكل ساعة قادمة هي نفسها الساعة التالية ، ولكنك في الحقيقة لا تعلم أن الأيام ليست بهذا التشابه إلا في مادتها ونسقها ، أما كنهها وروحها فهو بما يجري فيها وما يحدث في داخلها ، وبانعدام  الأحداث ينعدم الوجود ، فالبلاد القطبية لا ترى النهار إلا ساعات قليلة والبلاد الاستوائية لا ترى الليل إلا ساعات قليلة ولهذا  فالساعات والأيام لا تتشابه كما يصور لك عقلك ولكنك منغلق في دائرة أفكارك وروتينك اليومي وما جبلت عليه نفسك. 

الشمس هي روح الحياة  مثل أرواحنا التي تسكن أجسادنا لتهبنا الوجود ، ولهذا كانت دائماً مثاراً للأبحاث والعلوم ، فإن استغلال الطاقة الحرارية الصادرة منها كانت ضمن أولويات العلماء في شتى العصور، فقد فكر العلماء في كيفية إيصال أشعة الشمس لبعض الدول التي تغيب عنها ، وذلك عن طريق  مرايا ضخمة تثبت في التلال والجبال حيث راودت هذه الفكرة منذ حوالي 110 عام الصناعي النرويجي سام إيد مؤسس قرية راجوكان النرويجية التي تغيب عنها الشمس طوال فصل الشتاء مما جعله يفكر في المرايا لتعكس ضوء الشمس ،ولكنه لم يستطع تطبيق فكرته في تلك الحقبة بسبب النقص في الإمكانات التقنية .

بحلول شهر أكتوبر عام 2013 وللمرة الأولى في التاريخ تمكن اويستن هوغان من تنفيذ فكرة المرايا ، فقد كان سكان قرية راجوكان في جنوب النرويج على موعد مع ضوء الشمس في الشتاء، وذلك بفضل المرايا الضخمة التي ثبتت في التلال المجاورة المطلة عليها.

وعلى جانب آخر فإن ارتفاع حرارة الشمس في كثير من البلاد الأفريقية  كان سبباً في زيادة درجات حرارة  الأرض مما أنذر بعواقب وخيمة أدت إلى نشوب حرائق الغابات ، وكان ذلك دافعاً للمبرمج ورجل الأعمال (بيل جيتس )  من تبني فكرة تبريد الأرض باستخدام غبار الطباشير، وقد مول غيتس بالفعل مع عدد من رجال الأعمال مشروعاً يقوم به علماء متخصصون لاكتشاف مدى إمكانية السيطرة على الاحتباس الحراري، والذي ينوي إطلاقه قريباً جدا، عن طريق إطلاق بالون كبير في السماء بالسويد لتعتيم الشمس بالقرب من مدينة كيرونا في القطب الشمالي، حسبما أفادت صحيفة (التايمز) ،  وهذه التجربة الخارقة لها مسمي علمي هو (تجربة الاضطراب المتحكم في الستراتوسفير )، والتي أطلقها علماء  جامعة هارفارد الأمريكية.