هبة الله حمدي
هبة الله حمدي

د

اللاإنجابية..هل تزدهر الفكرة في العالم العربي؟!


ما كان أسعدني لو لم أجيء للدهر يومًا ولم أرحل ولم أكن.  عمر الخيام

يُعتبر التوجه اللانجابي إنعكاسا لفلسفة وفكر طرحه مفكرون على مر العصور،كان منشأه نظرة تشاؤمية للحياة لما فيها من معاناة وتطور تباعًا ليُناقش رواده ومُريدوه المعاصرون أبعادَ أخرى غير الجانب الأخلاقي فمنه البيئي ،ومنه الإقتصادي ومنه الإجتماعي  .

ضد التناسل بالعربي :

يعتبر أبو العلاء المعري (973-1058) أحد أهم العرب الذين ألمحوا لهذا الفكر إذ رفض شخصيا أن يتزوج وينجب وقال جملته الشهيرة هذا ما جناه أبي علي ،وما جنيت على أحد) .

تبعه مفكرون وفلاسفة عديدون من أجناسٍ عديدة ،إنما في عالمنا العربي كانت مواقف شخصية إذ اتخذ عديديون مواقف شخصية رافضين فيها الإنجاب أو معتبرينه قرارا غير صائب منهم عبد السلام النابلسي وسناء جميل وغيرهم ،وتعرض لها كُتاب عرب في مؤلفاتهم أو رواياتهم  دون أن تكون دعوة صريحة لعدم الإنجاب أو إتخاذها كمواقف شخصية .

إنّ جميع ما يفعله البشر ليس إلا علاجًا لغلطة وجودهم.   عبد الله القصيمي (1907-1996)

                              

يزدهر التوجه المناهض للإنجاب حاليا في عالمنا المعاصر ،وبعد أن كان الحاملون لتلك الفكرة فُرادى يخشون غالبًا مواجهة المحيطين ،صار العالم الافتراضي منفذا للإلتقاء وتجمع حاملي ذات الفكر والإستعانة بأفكار لإبراز ما يريدونه لذويهم ،بل ونشر ذاك الفكر والثقافة إن جاز التعبير في أوساط راغبي الإنجاب من مختلف الفئات العمرية .

antinatalism -ضد التناسل:

تعد هذه الصفحة المنطلقة عام 2016 من أبرز الصفحات االعربية على موقع الفيس بوك يُناهز عدد المتابعون تسعون ألفا وتنشر مقتطفات مختلفة عن دوافع وأسباب رفض الإنجاب ،ويجد الزائر في البدء مقالًا مُثبتا لشرح معنى كلمة اللاإنجابية ودوافعها لتوسيع مدارك الزائر ،دون أن تُعنى بتوجيه الفكر لحامليه فقط وإنما إبراز الدوافع والأسباب وراء تبني هذه الفلسفة دون تحيزٍ عاطفي دائم أو شحذ للعواطف .


شعار صفحة ضد التناسل

يتبع ذلك مجموعة خاصة تحمل ذات الإسم يشارك فيها ما يتخطى أربعا وأربعين ألف عضو ،ما يتيح لهم مشاركة البوستات المختلفة والتشاور فيها ،والتندر أحيانا على نظرة المجتمع للإنجاب ومشاركة الأعضاء فيها لدوافعم وأسبابهم الدافعة لإتخاذهم قرار عدم الإنجاب..

تتفرع أيضا تلك المجموعات التي تضم عربيين من مختلف الجنسيات إلى مجتمعات أصغر تضم أبناء القطر الواحد كمجموعة child free egypt والتي تعمل على توصيل مناهضي الإنجاب في مصر ببعضهم وخلق مساحة أعمق للتعارف وتبادل الخبرات في نشر الفكر أو مجرد إخبار المحيطين بالقرار .

تبرز أيضا مجموعات أخرى للبحث عن شركاء يحملون نفس الفكر في محاولة لتيسير التعارف فيتسنى لرافضي الانجاب من الجنسين التعرف والإرتباط ويحاول القائمون عليها وضع ضوابط وأهداف واضحة للمجموعات المختلفة .

إزدهار الفكرة :

ما يعيشه العالم اليوم عموما ،والعربي بصفة خاصة ،ساهم بطريقة ما في تحريك المياة الراكدة ،إذ أدى نشوب الصراع في سوريا مثلاً ،لطرح التساؤلات والأفكار حول مدى صحة جلب طفلٍ وسط الدمار خاصة دون أن يكون ثمة أي بادرة تبزغ لتحسن الوضع ،ما جعل سوريين من كلا الجنسين يرفضن الإنجاب في مثل هذه الظروف ،في مصر مثلا ونظرًا لظروف اقتصادية تتهاوى من سيء لأسوأ ،يشرع العديد من الشباب للتفكير في أمر إحضار كائن جديد يحمل عبأ معيشته الكاملة ،وما يترتب على ذلك من تنازل وحرمان للزوج أو الأب حال إنجابه من رفاهية أو غالبًأ من أساسيات حياتية ما يحدو بمتزوجين حديثا لتأجيل الإنجاب حتى يتسنى الإستقرار والإستمتاع بالحياة ،ويذهب بعضهم بعد مرور سنين إلى إيثار عدم الإنجاب لما يجده الزوجين أحيانًا أو يعتادانه من نظام حياتي يصير تغييره صعبًا حينا ،أو حتى التفكير في أن الحياة الزوجية تبدو جيدة وغنية دون الأطفال ما يفكك الفكر المجتمعي الراسخ في أن الزواج بلا أطفال ملل “وبلا طعم” ،وأن وجود الأبناء غالبًا هو ما يحافظ على استمرار الزيجة !

خروج المرأة للعمل وتعليمها ساهم بطريقة ما في تخفيض الانجاب والنظر إليه بصفته فعلا تكليميا لا أساسيا على غرار السابق إذ كان الإنجاب هو المشروع القائم للمرأة دائما فالرغبة في إنجاز شيء والانشغال به كان سببا في تقديس الإنجاب والأمومة إذ ما الذي يمكن أن تفعله مرأة خارج حدود بيتها وتربيتها لأطفالها ،واليوم وقد صارت المرأة قائدة في ميدان العمل تطمح ذات طموح الرجل وأكثر ،ما خلف إشباعا للمرأة وشعورًا بالإكتفاء ألهاها عن السعي خلف الإنجاب وحده والانشغال به وقذفَ حجرا آخر في مياه الأفكار المتوارثة بأن الإنجاب لا يمكن تعويضه وأن المرأة خلقت للأمومة وأن الأنثى هي أم لا محالة وتاركتها ستتعس ،فثمة نساء عدة برزن على الساحة راضين عن مسار حياتهم دون أبناء!

صعوبة الزواج ذاته فضلًا عن الإنجاب ،ساهمت في إعادة التفكير في تابوهات مقدسة وارثها المجتمع ،وفتح الباب لمشاريع أخرى ينشغل بها الشباب كالرغبة في السفر وجمع المال ،والدراسة وتحصيل شهادات أعلى ،ما جعل بعضهم حين يُطرح أمامه قضية كالزواج أو الإنجاب ،يفكر في مدى ضرورة تلك الحاجة وهل تأثرت حياته بإنعداماها التأثر الذي لا يمكن حقًا تعويضه !