عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

الكروان يغدر أحياناً…

اطمئنان …

تشعر بالاطمئنان عندما تسمع صوته من بعيد ، وربما يتكون لديك انطباعاً عن شكله وهيئته الجميلة ، ولكنك ربما لا تعرف أن المظهر لا يمثل عمقاً ولكن المغزى الرئيسي هو الجوهر والروح ، إنه جاحظ العينين نحيل الجسد حيث يبدو صغيراً ضعيفاً وفي ذات الوقت هو ذو ملامح ملكية رغم  ضآلة حجمه حيث يظهر بهيئته الواثقة إذا صادفته واقفاً على شجرة ، ورغم هزالة جسمه  فهو يمنح البشر الأمل والسعادة وكأنه ينشد دعاء المساء، وكما تقول الأمثال (الصيت ولا الغنى).

عمل طوال الليل  ..

الكروان من طيور الليل الجميلة، حيث يسعى طوال الليل للبحث عن الغذاء، أما في فترة النهار فيخلد للنوم في مكان واحد لا يتركه إلا إذا أحس بخطر ما، وهو يحب أن يقضي أوقات الراحة في مكان بعيد عن المراعي والناس، مثل الجبال وجذوع الأشجار، وبحلول الظلام يبدأ الكروان في العمل والسعي وراء الرزق ويحب التنقل من مكان إلى آخر ،ولا يمل ولا يهدأ  حتى طلوع الفجر، ويقصد المراعي الخضراء ويطلق أصواته في كل مكان، فلو أراد الإنسان أن يستمع إلى الصوت الجميل فليسمع صوت الكروان عند طلوع الفجر، حيث تتجمع أعداده في مكان واحد لقضاء النهار والاسترخاء بعد عناء دام طوال الليل.

خوف من الإنقراض….

يعتبرالكروان  من الطيور التي تميل إلى الهجرة القوية ، ويعتبر الموطن الرئيسي لها في بريطانيا وأيرلندا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأستراليا ، وقد أدت التغيرات البيئية  التي نتجت عن تجفيف الحقول والمستنقعات  مع ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات إلى زيادة هجرة الطيور وقلة عدد البعض الآخر مما أثار الخوف في بريطانيا وأيرلندا على طيور الكروان من الإنقراض .

الكروان طيب أم شرس….

الكروان يعد من فصيلة الزقزاق ويشبه في شكله (أبو قردان) ،وهو نفس سلالة البغبغاء مما يسهل معه تدريبه على الكلام والحفظ ، وكنتيجة للشهرة العالمية التي نالها طائر الكروان  قص عنه الناس روايتان متناقضتان :

الأولى  وهي الأكثر شهرة و تداولاً  حيث تصفه بالطيبة والملائكية .

أما الثانية فتقول إنه طائر غدار يغري الطيور والحشرات بصوته الرنان ليفترس صغارهم .

 بالنسبة لمسألة التفاؤل فإن الناس  تسعد بصوت الكروان منذ زمن بعيد ، حيث تنشرح صدورهم وتصفو نفوسهم بمجرد سماع تغريدته ليلاً ، حيث يتحدث علماء الجينات ومترجمي لغة الحيوانات بأنه يدعو الله قائلاً: (الملك لك لك يا صاحب الملك) ، وهو يسبح الله العلي العظيم موحداً ومتعبداً .

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) آية41 سورة النور.

الكروان والغراب  ..

وقد يحدث أن يخاف الناس من بعض الأماكن وتتشكك في الذهاب إليها ، ولكنهم يهدأون ويشعرون بالسكينة عندما يستمعون للكروان مما يجعلهم يغيرون أفكارهم المتشائمة حيال ذلك ، مثلما يخافون صوت الغراب الذي يجعله البعض علامة على حدوث كارثة أو مصيبة  وينتج عن ذلك أن يوقف خططه ويفضل ألا يخرج من منزله لشعوره بالتوتر من صياح الغراب، رغم أن كل ذلك يتنافى مع العقيدة والإيمان ولكن الناس دوماً تؤمن بما تراه عيناها ، ويعود ذلك لمصادفة بعض الأحداث الكارثية بعد سماعه ، والعكس صحيح فقد يؤكد البعض الآخر إن غناء الكروان يأتي ببشرى وفرحة كبيرة ، وإن ذلك ليس وهم بل إنها حقيقة تؤكدها الحوادث .

الغراب الحانوتي …

 في الحقيقة  لا نستطيع الجزم بأن المصائب تحدث دائما بعد صراخ الغربان لأن تلك ربما تكون  مجرد صدفة ، ولكن ما نؤكده هو ورود الغراب في مشهد قتل قابيل لهابيل وهو يقوم بالدفن ، وتلك آية في ظاهرها  توضح فاجعة قتل الأخ لأخيه ولكن في باطنها يعرف قابيل من الغراب كيف يمكن أن يدفن سوأته وجريمته النكراء ، فالغراب هنا قام بدور الحانوتي الذي يقوم بمهنة عظيمة لتسهيل الدفن – قال تعالى : (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) . آية (31) سورة المائدة.

فقد كان ظهور الغراب في تلك الحادثة لفائدة كبيرة للإنسان  ، فقد كان بغرض تعليمه الدفن والتستر من البلية والجرم الكبير ، فالطير والتطير حرام في الإسلام  ، ففي وصية رسولنا الكريم لنا : عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطيرة شرك) وفي حديث آخر: يقول صلى الله عليه وسلم: (من ردته الطيرة عن حاجته، فقد أشرك)،ويقول رسولنا الكريم كذلك: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر)  ، والطيرة: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، لغة: التشاؤم بالشيء، ومصدره: تطير وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها، والتطير أي التشاؤم بنعيق غرابها، فسموا الشؤم طيراً وطائراً وطيرة لتشاؤمهم بها ، والتشاؤم سمة للكفر.

خيانة الكروان للطيور الأخرى…

أما القصة الثانية التي تتحدث عن خيانة الكروان فهي نادرة التداول ولكنها تعد غريبة على الناس إلى حد بعيد لأن الكروان  يعد من الكائنات الأكثر إبهاراً وجاذبية .

حيث يقول  أحمد دهب على صفحة معلومات وأقوال مختارة: إن طائر الكروان من أشرس الطيور وأكثرها قسوة رغم صغر حجمه، يسلى وقته بكسر بيض الطيور الأخرى في غفلة منها، والمعروف عنه أنه يضع بيضه في شقوق عرضية في الأرض، وهو طائر في منتهى الحيطة والحذر لذا لا يضع بيضه في شق واحد، بل يوزعه على الشقوق، ومنه اشتق علم السياسة هذه الفكرة وعرفوا بها السياسي الحذر بأنه لا يضع كل بيضه في سلة واحدة، ونصل إلى ما رآه الناس ميزة عظيمة فيه وهو صوته الشجي، الصوت الذي يطلقه الكروان ليس المقصود به تسبيح رب الملكوت حسب الاعتقاد الشعبي، ولا مؤانسة المحبين ومواساة المعذبين كما تصور العشاق، صوته هو مجرد صيحات حادة يطلقها في الظلام ليخدر بها الحشرات والطيور الصغيرة ليفتك بها، تماما كنظرات القط التي يصوبها تجاه الفئران فتجعلها تشل في مكانها ولا تقدر على التحرك.

شراسة الكروان  مع المربين…

 يروى عن الكروان  أيضاً في الجانب الشرير عنه  مع المربين له ، حيث يتسم  بالشراسة إذا اقترب أحد من بيضه  فيلجأ إلى العض بقوة لحماية عشه وعندما يعض لا يترك يد الإنسان بسهولة لأن نتيجة العضة تكون مؤلمة للغاية وسيئة وينتج عنها جروح.