هدير طارق البدوي
هدير طارق البدوي

د

التدوينة التي لم أنشرها

اليوم ولأول مرة منذ بدأت التدوين كتبت تدوينة ولم أنشرها، ليس لأنها غير جديرة بالنشر، وليس لأنني لم أحبها وإنما خوفًا من ردود الفعل.

لم أكن أكتب للقُراء من قبل، كنت أكتب لأكتب، أكتب لنفسي… تتمحور كتاباتي عادةً حول موقف مررت به أو حكاية أُخبرت بها، أحكي وأعرض وجهة نظري والرأي الآخر، ربما تنتهي التدوينة بنصيحة أو مغذىً، وربما لا يحالفني الحظ كثيرًا في الوصول له فأكتفي بالكتابة.

كذلك كانت تدوينة اليوم، إلى حدٍ كبير، إلا إنها احتوت كثيرًا من الأوائل.

فلأول مرة لم تكن حكايتي التي أحكيها، لم تحدث لي وكذلك لم يخبرني بها أحد، كانت تصوري عن ماضٍ ربما يكون قد حدث ونتج عنه ما قد حُكي في وجودي، وربما لم تدور القصة كما تخيلتها البتة.

كذلك وللمرة الأولى كانت الحكاية ذات نهاية مفتوحة، لا أحب النهايات المفتوحة، تتركني لخيالي وتصوراتي فأضيع بهم وبالاحتمالات لأيام.

وللمرة الأولى لم أمتلك الشجاعة للدفاع عما كتبت، لم تحتوي هذه التدوينة على ما هو خارجًا عن حدود الدين أو الآداب العامة، إلا إنني ناقشت بها وجهة نظر قد لا يستسيغها الكثير.

قررت ألا أنشرها الآن فقط فمسحتها فورًا من جهازي، لقد علمت أن أول ما سيخطر ببالي هو ما جدوى الكتابة إن لم نجد بها الحرية لنكتب ما نريد، ما جدوى الكتابة إذن إن لم نستطع أن نخبر العالم خلالها ما لا أقوى على التحدث به، ما جدوى الكتابة!

وقد كان ظني صحيحًا فها أنا ذا أفكر ما جدوى الكتابة وأود لو نشرتها وليحدث أسوأ ما قد يحدث ولهذا تحديدًا مسحتها، متناقضة أنا بلا شك.

ربما إن كنت زرعًا
أتراقص بهبوب النسيم، وأزدهر بقليل من المياه…

أو طيرًا
أنطلق كأن السماء ملكيَّ الخاص وأتناسى ما ينتظرني أرضًا…

أو سمكة تتهادى في المحيط الكبير، أترك نفسي لأتوه.

ربما إن كُنت أكثر حرية، أكثر قليلًا فقط، كنت سأقرر كشفها للنور.

لقد أحببتها، فأنا اعتزّ بكتاباتي كثيرًا، أضع بها الكثير من مشاعري وأجزاء من روحي… لقد أعجبتني، فقد كانت مُتقنة تصور الحكاية كما تخيلتها، لكنني أخترت ألا أنشرها.

لكنني أظن أن هذا القرار هو أفضل ما حدث لي اليوم، فبفضله علمت إنه تنقصني الشجاعة في الكتابة، فأنا اليوم أعلم أنني أضعف، وربما أكثر جُبنًا من أن أدافع عما أكتب، عن آرائي وعن وجهة نظري، وبفضله بعد عدة أشهر وربما سنوات حينما أنشر نتاج آرائي وفكري وأمتلك الشجاعة للدفاع عنه سأعلم أنني أستحق أن أفتخر وقتها بذاتي، متناقضة أنا بلا شك.

أظن أنني في إنتظار أيام من تأنيب الذات وليالي من الندم… أظن أنني سأحتاج لأن أحكي لأحدهم عن تدوينتي التي لم أنشرها، سأحتاج لإخراج الأفكار من عقلي… أظن كذلك أنه لم يكن من الصواب كتابة هذه التدوينة الآن، فما الجدوى، ما جدوى الكتابة؟