ياسمين غُبارة
ياسمين غُبارة

د

اعترافات العام الجديد!

  السعادة

ها هو عامٌ جديدٌ على الأبواب، أجد  بين يديَّ العديد من كتابات عبد الوهاب مطاوع وكأنى أستشرف معه بداياتٍ جديدة فى عالمٍ ملىءٍ بمصطلحات ضاغطة: كالنجاح والتطور والإنجاز؛ لِأَجد من بين كلماته سطورًا تعيدنى إلى أصل الحكاية  عندما يقول: ” السعادة حقًا وصدقًا ليست فى الثراء ولا فى النجاح العملي فى الحياة وحدهما، وإنما أولًا وبعد كل شىء فى راحة القلب بين مَن يحبهم الإنسان ويحبونه، أما باقى أهداف الحياة فهي تُزيد أو تُنقِص من هذه السعادة الحقيقية ولكنها أبدًا لا تعوِّض الإنسان عنها إذا افتقدها أو غابت عنه “.ا

رتاحت أفكارى لتلك السطور، فالأمر بسيط وأنا حقًا أبحث عن كل ما هو بسيط،  فكم هو مريح أن تدرك أن علاقات أسرية مستقرة وحانية هى من أعظم  أسباب السعادة والهناء، وهى المُستَقَر فى هذه الحياة، نرتفع ونهبط، تتبدل بنا الأحوال من نجاح إلى فشل إلى إحباط إلى رضا؛ لتظل تلك الوسادة العائلية تتلقفنا برفق، ونستكين إليها فى كل حال ،وفى هذا العام، أحاول ألا أُثقِلَ على علاقاتى الأسرية، أحاول أن أقلل من تلك التوقعات التى تؤذينا وتعمينا عن جمالٍ حقيقى وواقعى موجود فى علاقتنا بمن حولنا، و أن أتقبلَ حقيقة جميلة بَدَت من حولى فى الشهور الأخيرة وهى أنه ليس بالضرورة أن يكون لى شخص واحد هو رفيق الروح سواء صديقة أو زوج أو أخ أو ابنة أو ابن، بل يمكن للروح أن تتجزأ، وكل جزء منها يجد ضالته فى  شخصٍ  غالٍ ممن هم حولى، أعتقد أنكم جميعًا تعرفون هذا الشعور، ألا تجد سكنًا لكل جوانبك فى شخصٍ واحد، بل أن يكون لك مع كل شخص قريب منك مساحةً خاصةً من نفسك، فهذا تتحدث معه عن صراعاتك الداخلية، وذاك تشاوره فى أمور الحياة ، وآخر تضحك معه وتجد فى روحه الخفيفة المازحة ما يُزيح عن أنفاسك ثِقَل الضغوط . هذه الرفقة الصادقة المتنوعة هى النعمة الحقيقية  التى قد لا تكتفى بها،  ولكنك لست أبدًا فى غِنًى عنها .

أفقي المحدود

يزداد اكتشافى عامًا بعد عام أنَّ أفقى محدود، أحاول أن أُزِيده اتساعًا، ولكنى أدركت  أنى لا أحتاج  فى ذلك إلى طريقتى التقليدية لتحقيق أى شىء معنوى وهى بذل الجهد مع أفكاري ، بل قد يكون السبيل لاتساع أفقى أكثر هو فقط فى أن أستمعَ  للآخرين وألتزمَ  أكبرَ قدرٍ ممكن من الصمت ، ففترات الصمت تُحدِث تمددًا تلقائيًا فى ممرات الذهن، و أحاول أن أُنصت لمن حولى  بصدق وليس فقط  أن أصمتَ حتى يفرغوا من حديثهم لأنقَضَّ مرةً أُخرى بوجهة نظرى وتحليلى  وقناعتى التى أشعر دومًا بأنى أُريد أن أنتصرَ لها وأدافعَ عنها، وكأنى أدافع عن نفسي وكيانى. ومع تكرار عادة الإنصات للآخَرين؛ بدأ يتسرب إلىّ شعورٌ خفىٌ بأن  قبولى لوجود وجهة النظر الأخرى  لا يُلغى بالضرورة شعورى أو أفكارى، بل قد يجعلها أكثر اتساعًا  وشمولًا وعمقًا  …

وما يُدرينى بأنّى على صواب فى أى شىء “

جملة ترددت على ذهنى كثيرًا فى العام الماضى خصوصًا عندما اصطدمتُ بمواقفَ عديدةٍ فى التعامل مع أبنائى، و اكتشفت أنى أعيدُ تلك الأخطاء  ،التى رأيتها أو تعرضْتُ لها فى طفولتى،  ولكن بطريقتى الخاصة، نستطيع أن نقولَ أنى أتجنب أخطاء الماضى بعنف، فأبتكر بذلك أخطاءً جديدة…مما جعلني أُعِيدُ تفكيرى فى مسمى: ” أخطاء ” ، فهل كل أحداث الحياة المؤثِّرة هى محض أخطاء؟!، أم أن لها مسمياتٌ أخرى عديدة، أم ليس لها اسم على الإطلاق؟!.

أدركتُ أن تعاملى مع أبنائى ليس العامل الوحيد فى تشكيل شخصيتهم، بل هناك أشياء أخرى كثيرة، أولها تفاعلهم الخاص  مع ما يرونه منى طوال اليوم وكل يوم، فمَن أنا لأقرر أنني أحسنت تربية أبنائي أو أهملت؟!، من أنا ليكون لى كل التأثير على إنسان يحيا على هذا الكوكب؟!، هل لى من الأمر شىء !   كل ما أرجوه هو أن يضعنى الله فى الجانب المضىء من حياتهم، وأن أكون معهم لا عليهم  فى رحلتهم الخاصة فى الحياة التى أكتشف مع كل عامٍ يكبرونه بأنها رحلة خارجة تمامًا عن إرادتى أو تَحكُّمي .. وأننى أُفلت  أيديهم أكثر يومًا بعد يوم .

دافع جديد

أما عن  ذلك الغضب الذى سكننى فى سنوات التشكُّل والتكوين الفعلي المتأخر الذى حدث فى أواخر العقد الثانى من عمرى، فأنا مُمتنّة له كثيرًا لأنه كان وقودًا دفعنى إلى إنجاز الكثير مما لم أكن أتوقع أن أُوفَّق إليه يومًا، ودفعني لاكتشاف معادلتى الخاصة فى الحياة … ولكنى أُوَدّع غضبى مع بدايات هذا العام، وأتمنى ألا يزورنى مرةً أخرى لأنه أرهقنى رغم إيجابياته  وأَكَلَ من روحى الكثير، لم أعد قادرةً على استخدامه كوقود للاستمرار، بل أحتاج إلى وقودٍ آخر أكثر استدامة ولو كان أقل دفعًا، وأعتقد أن هذا هو هدفى فى العام المقبل أن أستعيدَ الانطلاقَ بوقودِ مُسالم، وآمن على  صحتى  النفسية والجسدية .. لا أعلم ما هو، ولكننى سأحاول باستمرار…. و برفق .