إن فكرة الشحن اللاسلكي تعطيك شعورًا أنك تعيش في عالم مستقبلي متطور، ولكنها بالحقيقة فكرة مستوحاة من الفيزياء القديمة وتنسب هذه الفكرة إلى العالم الشهير “نيكولا تيسلا” ولكن ربما يعود الموضوع إلى أكثر من قرن مضى حيث تعتمد فكرة الشحن اللاسلكي عن طريق الفيزياء على تحريض مجال كهرومغناطيسي، حيث أن المجال المغناطيسي المتغير يؤدي إلى تشكيل مجال كهربائي؛ الشيء المميز في ذلك هو أن المجال الذي يسببه المجال المغناطيسي المتغير له عدد من الخصائص المختلفة عن أي مجال يمكنك إنشاؤه عن طريق وضع الجسيمات المشحونة في ترتيب معين.
عندما يكون لديك مجال مغناطيسي متذبذب يمكن أن يؤدي إلى تدفق التيار الكهربائي ضمن حلقة قريبة من السلك، ويمكن استخدام هذا التيار الكهربائي بعدد من الأشياء المفيدة كشحن بطارية الهاتف الخلوي، حيث أن تدفق التيار الكهربائي يظل مستمرًا طالما استمر التغير في المجال المغناطيسي.
للحصول على مجال مغناطيسي متغير بجانب حلقة من الأسلاك فإن هناك طريقة كلاسيكية لذلك عن طريق لف المغناطيس أو لفائف الأسلاك، المجال المغناطيسي له اتجاه معين مرتبط به وتغيير الاتجاه النسبي للمجال والملف لا تستطيع تمييزه رياضيًا عن طريق المجال.
يؤدي المغناطيس المتحرك بالقرب من حلقة الأسلاك إلى تغير المجال باستمرار؛ مما يؤدي إلى توليد التيار في الحلقة السلكية، وهذه الفكرة هي المسؤولة عن أغلب الطاقة الكهربائية التجارية المنتجة في يومنا هذا باستثناء الطاقة الكهروضوئية الشمسية، حيث تستخدم محطات الطاقة الكهرومائية تدفق المياه لتدوير التوربينات، أما محطات الفحم والغاز فإن غليان الماء وتشكل البخار هو الذي يقوم بتدوير التوربينات.
أما في شاحن الهاتف اللاسلكي لا يوجد توربين دوار ولكنه يستفيد من الطاقة الكهربائية في المنزل حيث يقوم الشاحن بتوليد تيار كهربائي متذبذب عن طريق لفائف الأسلاك، الأمر الذي يولد مجالًا مغناطيسيًا متذبذبًا يؤدي إلى دفع التيار الكهربائي ضمن حلقة سلكية. وتعتبر هذه الفكرة من أهم مقترحات العالم تيسلا للتكنولوجيا الكهربائية الأنيقة ولكن هذه الفكرة بالتحديد يمكننا نسبها إلى العالم مايكل فاراداي عام 1820، حيث يعتبر هذا العالم من أشهر العلماء في بريطانيا في القرن التاسع عشر وقد كان له إسهامات جليلة في الفيزياء والكيمياء حيث تسمى المعادلة التي تصف إنشاء المجالات الكهربائية باستخدام المجال المغناطيسي المتذبذب باسم “قانون فراداي“وذلك تكريمًا له.
يعتمد التيار الكهربائي الذي من الممكن أن تحرضه بمجال مغناطيسي على قوة هذا المجال المغناطيسي والمجالات المغناطيسية تنخفض بشكل واضح مع المسافة؛ لذلك فإن الشحن اللاسلكي الذي يعتمد على الحث يكون أقل كفاءة من توصيل البطارية بمصدر طاقة كهربائية مباشر.
ويعتبر الشحن اللاسلكي أساسيًا في أيامنا هذه ذلك لأن المواد والتكنولوجيا المعتمدة في التصنيع قد تطورت إلى درجة نستطيع من خلالها صنع لفائف ورقية صغيرة قادرة على إنتاج مجالات مغناطيسية ضرورية لإنتاج تيار كهربائي كافي.
وبالرجوع إلى القرن التاسع عشر ميلادي فإن فراداي كان يحتاج إلى مغناطيس كهربائي ضخم لاكتشافاته المحدودة، كما أن تيسلا خطط لنقل الطاقة اللاسلكية لكنه كان بحاجة أبراج ضخمة، وبالاعتماد على التطورات المتلاحقة وصلنا إلى التكنولوجيا الحديثة في مجال الشحن اللاسلكي.
تعتبر الطاقة الكهربائية عصب الحياة الحديثة وشيئاً أساسيّاً لا يمكن الاستغناء عنه إذ أصبح الاعتماد عليها واضحاً في جميع المجالات والفروع والخدمات، ثم تم صنع البطاريات لتأمين مصدر دائم ومتنقّل للطاقة حيث تستخدم على نطاق واسع في الهواتف المحمولة والمصابيح اليدوية والسيارات ومحولات الطاقة التي تحول جهد التيار المتناوب إلى جهد تيار مستمر وتستخدم لتشغيل الأجهزة المنزلية أثناء انقطاع التيار الكهربائي.
تحتاج البطاريّة إلى شحن وتعبئة عند نفاذ طاقتها، ويتم ذلك عن طريق جهاز يدعى الشاحن وتختلف نوعيّة الشاحن ونمطه وآلية عمله باختلاف الجهاز المشحون ومقدار الطاقة التي يتحمّلها ونوعها، ويمكن تمييز عدة أنواع:
- الشواحن البسيطة: تستخدم هذه الشواحن لتزويد بطاريات الهواتف المحمولة بالطاقة، ويعتمد مبدأ عملها على تحويل التيار الكهربائي المتناوب الذي تتلقّاه من مزود الطاقة الكهربائية المنزلية إلى تيار كهربائي مستمر بجهد مناسب للبطارية المستخدمة، ثم يمر هذا التيار ضمن دارة إلكترونية للحصول على جهد ثابت ومستقر، وأخيراً يتم تطبيق الجهد الكهربائي الناتج على البطارية تحت الشحن، ليتم تخزين الطاقة فيها من خلال عملية تفاعل كيميائي داخليّة، وتم تطوير نوع من الشواحن السريعة القادرة على شحن البطارية بسرعة كبيرة تفوق بأضعاف سرعة الأجيال السابقة (شحن بمقدار 50-80% من سعة البطارية خلال نصف ساعة)، كما تستخدم هذه الأنواع من الشواحن لتزويد أجهزة أخرى بالطاقة الكهربائية كالحواسيب المحمولة.
- الشواحن الشمسي: تتميز بقدرتها على تحويل الطاقة من شكل لآخر، إذ تحتوي على عدد كبير من الخلايا الشمسيّة التي تستقبل أشعة الشمس وتقوم بتحويلها إلى طاقة كهربائية للاستفادة منها في الكثير من المجالات وخاصة عند انقطاع مصدر الطاقة الكهربائيّة، وقد انتشر استخدام هذه الشواحن في الفترة الأخيرة جنباً إلى جنب مع بطارية احتياطية تدعى ببنك الطاقة.
- الشواحن المباشرة للأجهزة التي لا تحتوي على بطاريات: يقوم هذا النوع من الشواحن بنقل الطاقة الكهربائية إلى الجهاز المستعمل بعد تعديل الجهد الكهربائي بما يتناسب مع الدارة الإلكترونية الخاصة بالجهاز، ويطلق عليه اسم المحوّل.
- الشواحن اللاسلكية: يمكن تعريف الشاحن اللاسلكي ببساطة بأنه حلقة من الأسلاك الملفوفة حول قضيب مغناطيسي يخلق مجالاً كهرومغناطيسياً حول المغناطيس (مصدر للتيار الكهربائي)، لم يكن هناك بدائل عن استخدام الأسلاك في الدرات الكهربائية حتى وقت قريب، إلا أنه ومع تطور فكرة الشحن اللاسلكي سيتم استخدامه لتشغيل مجموعة من الأجهزة والأدوات كالمصابيح والحافلات الكهربائية، وقد حملت هذه الفكرة للبشرية أملاً كبيراً بتأمين مصدر دائم للطاقة معتمد على مغناطيس ضخم يؤمن حقل مغناطيسي قوي وبالتالي الحصول على بطارية دائمة وتخزين للكهرباء دون الخوف من نفاذها.
تختلف سعة البطاريّة باختلاف تطبيقاتها واستخداماتها، ويتم التعبير عن قدرتها على كسب الطاقة واستهلاكها باستخدام واحدة أمبير/ساعة، وتشير هذه الواحدة إلى الكمية القصوى من الطاقة الكهربائية التي يمكن شحن البطاريّة بها خلال ساعة واحدة، وأيضاً الطاقة القصوى التي يمكن للبطارية تفريغها خلال ساعة واحدة، ولايزال العمل في هذه المجال قائماً لتصنيع شواحن وبطاريات قادرة على تأمين متطلبات التطور البشري.