عندما نشرب علبة من الصودا الشهيّة في جوٍّ شتويّ بارد، نلاحظ تشكّل بعض قطرات الماء على علبة الصودا إن كانت معدنيّة على الرغم من عدم تشكّل مثل هذه القطرات علة ثيابك، في الحقيقة الهواء الجوي يحوي على نسبة مع بخار الماء يتحول إلى ماء عند انخفاض درجة الحرارة في الجو إلى درجة معينّة تدعى نقطة الندى، بينما عمليّة تشكّل القطرات على سطحٍ ما تدعى التكاثف.
التكاثف أو التكثيف أو بالإنجليزيّة Condensation هو عمليّة فيزيائيّة يتحول فيا بخار الماء إلى ماء، وهذه العمليّة تعاكس عملية فيزيائيّة أخرى تدعى بالتبّخر التي يتحول الماء فيها إلى بخار الماء عن ارتفاع درجة الحرارة إلى ما فوق درجة التبخّر وهي عادةً تبلغ 100 درجة مئويّة للماء، ويعد التكاثف والتبخّر من العمليات الفيزيائيّة الستة للمادة إلى جانب الانصهار والتجمّد والتصعّد والترسب.
وعمليّة التكاثف موجودة في حولنا بشكل كبير لأن الماء H2o موجود في حياتنا بجميع حالاته، وهو يستطيع الانتقال من حالة إلى أخرى في شروط معيّن والحالات التي يحدث فيها التكاثف هي:
- الحالة الأولى: هو انخفاض درجة حرارة بخار الماء إلى نقطة الندى وما دون وهي الحالة التي ذكرنها مثالاً عنها في البداية.
- الحالة الثانية: هو تشبع الهواء الجوي أو الوسط الحاوي على بخار الماء بكميّة عالية منه فلا يستطيع استيعاب المزيد فيتحوّل البخار إلى ماء.
ويمكن تعريف نقطة الندى التكاثف بأنّها درجة التكثيف المعتادة، وتم تسمية قطرات الماء التي نجدها على سطوح السيارات والمروج والمنازل بقطرات الندى لأنها تحدث نتيجة عملية التكثيف عند انخفاض درجة الحرارة بشكل طبيعي إلى ما دون نقطة الندى كما يحدث في الليل، ويعود سبب تراكم قطرات الندى على المعدن أكثر من غيره لأنّه يتأثر بالجو الخارجي ويكتسب برودة عالية.
هذه الحالة تحدث أيضاً عندما نخرج كوباً من الماء البارد من الثلّاجة فتتشكل قطرات الندى عليها نتيجة اصطدام الكوب البارد بالهواء الأكثر دفئّاً فيتحّول بخار الماء الذي يحتويه إلى قطرات من الماء.
وفي حيّز الحالة التي يشبع بها المكان ببخار الماء، يمكن ذكر مثال شائع حيث تبخّر الماء من سطوح البحار والبحيرات تجعل الهواء مشبعاً ببخار الماء وتتشكّل الغيوم في الغلاف الجوي في السماء، وعندما تصبح الغيوم غير قادرة على استيعاب أي كميّة من بخار الماء، نتيجة التشبّع الكبير به، تتقارب جزيئات البخار بشكل كبير ليتكاثف ويتحول إلى ماء ويصبح مطراً.
والفكرة التي لا بدّ من ذكرها هي أن الهواء الدافئ يحمل كمية كبيرة من بخار الماء تفوق تلك الموجود في المناخات الباردة وذلك بسبب أن مياه البحار والمحيطات تتحول إلى بخار في الهواء الدافئ بعمليّة التبخّر، لذلك نجد المناخات الدافئة أكثر رطوبةً من تلك الباردة التي يبقى بخار الماء فيها معلّقاً في الهواء.
إن التكاثف واحد من التغيرات الستة الفيزيائية المعروفة للمادة والتي تشمل:
- التجمّد: هو انتقال المادة من الحالة السائلة للحالة الصلبة وذلك بخفض درجة حرارتها، وكمثال عليه تجمّد المياه وتحولها لجليد.
- الانصهار: انتقال المادّة من الحالةِ الصُّلبة إلى الحالةِ السّائلة بزيادة درجة حرارتها، وكمثال عليه انصهار مكعبات الجليد وتحولها إلى ماء.
- التبخّر: انتقال المادة من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية بزيادة درجة حرارتها، وكمثال عليه تبخّر المياه عند غليها وتحولها إلى بخار ماء.
- التكاثف: انتقال المادة من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة بخفض درجة حرارتها، وكمثال عليه تكثّف بخار الماء الساخن على الأسطح الباردة وتحوله إلى قطرات ماء.
- التصعّد أو التسامي: انتقال المادّة من الحالةِ الصُّلبة إلى الحالةِ الغازيّة دون المرور بالحالة السائلة برفع درجة حرارتها، وكمثال عليه تصعّد الجليد إلى بخار ماء مباشرةً في الطقس الحار.
- الترسّب: انتقال المادة من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة دون المرور بالطور السائل بخفض درجة حرارتها، وكمثال عليها ترسّب بخار الماء في الطقس شديد البرودة وتحوله إلى صقيع صلب.
وقد نلاحظ مما سبق أنّ شكل مادة الماء H2O موجود في الطبيعة بجميع حالات المادة المعروفة على الأرض (الصلب والسائل والغاز) ويمكن له أن ينتقل من حالة لأخرى وفق كل أشكال التحولات الفيزيائية المعروفة، ولكن لا تمتلك جميع العناصر الكيميائية المعروفة هذه الخصائص، فليست جميعها موجودة في الطبيعة بجميع الأشكال، كما لا يمكن تطبيق كل التحولات الفيزيائية على جميع العناصر الطبيعية، وجميع التحولات الفيزيائية السابقة للمادة تخضع لشروط كيميائية وفيزيائية خاصة لكل مادة، ومن تلك الشروط درجة الحرارة والضغط الجوي.
ومن أجل الحديث المفصّل عن التكثّف، بالإمكان طرح مثال تكثّف بخار الماء، فمن المعروف أنّ الماء يغلي على درجة حرارة 100مئوية (212 درجة فهرنهايت) وبالتالي سيتحول من شكله السائل إلى شكله الغازي، وبالتالي عند تسخين الماء إلى درجة حرارة 100سيليسيوس أو أكثر سينتج بخار ماء ذو حرارة مرتفعة، وبالتالي سيكون بالإمكان عكس هذه العملية في حال تبريد بخار الماء الناتج بدرجة حرارة أقل من السابقة، وسيعود إلى حالته السائلة فوراً، وهذا ما يحدث بعد رفع غطاء معدني لقدر يحوي الماء المغلي، حيث سنرى أن بخار الماء قدّ تكثّف على سطح الغطاء بعد رفعه وانخفاض درجة حرارته بعد إبعاده عن مصدر التسخين، لكن هذا لا يعني أنّ التكثّف لا يحدث إلى على درجات الحرارة المرتفعة فقط، إنما قد يحدث على أي درجة حرارة ما بين 0 سيليسيوس و 100 درجة سيليسيوس، وذلك بالنسبة للماء، ولكنه أكثر ما يشاهد في المثال السابق وذلك للاختلاف الكبير في درجات الحرارة.
ومن الأمثلة الأخرى الطبيعية على التكاثّف والتي تحدث بشكل عفوي ضمن الغلاف الجوي، عندما تمرّ الرياح الساخنة المحمّلة بالغيوم في مناطق باردة، مما ينقصها كثافتها ويؤدي إلى تكثّف بخار الماء فيها، وبالتالي هطول المطر، كما قد تلحظ ظاهرة التكثّف وأنت تمضي وقت الشتاء في منزلك الدافئ، وعندما يلامس الهواء الدافئ المفعمة بالرطوبة سطح زجاجي أو معدني بارد، حينها ستتحول تلك الرطوبة في الهواء إلى قطرات مياه تتجمّع على ذلك السطح، وهو تماماً ما يحدث عند قيادة عربة مغلقة النوافذ وتعمل فيها التدفئة في طقسٍّ بارد، وتعتبر كل الأمثلة السابقة أشكال مختلفة للتكثّف، وفي حال السؤال عن أنواع أخرى لتكثّف المادة غير الماء، سنجد العديد من الأمثلة لكنها لا تحدث بشكل طبيعي دائماً، إنما تتّم العملية ضمن مخابر أو مصانع خاصة لغاياتٍ بحثية أو صناعية.