ابتلاء الطبيعة، أو الكارثة الطبيعية، وهي حوادث وظواهر غير متوقعة تحدث بشكل مفاجئ نتيجة لعدة اعتبارات ليست بالحسبان تؤدي إلى نتائج مروّعة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فيصبح الناس بحاجة إلى مأوى أو عمل أو غيرها من الاحتياجات البشرية، ومن هذه الكوارث الطبيعية لدينا البراكين والفيضانات والجفاف والأعاصير وغيرها الكثير التي تتسبب بها ظواهر مناخية عديدة ومن هذه الظواهر ظاهرة النينو.
عند انتقال الماء الدافئ من الجهة الغربية لمناطق المحيط الهادي إلى السواحل الأمريكية الجنوبية شرقًا وعلى طول خط الاستواء يحدث ما يسمى بظاهرة النينو، وهي عبارة عن ظاهرة مناخية تبدأ في المحيط الهادي وتؤثِّر تأثيرًا كبيرًا على حالات الطقس في كل مناطق العالم. فبعد انتقال الماء الدافئ من المحيط الهادي يطفو على مياه أمريكا الجنوببة في الجهة الشمالبة الغربية.
عند ارتفاع درجة حرارة المياه الساحلية في الجهة الشرقية من المحيط الهادي الاستوائي سينخفض الضغط الجوي فوقه وستهب رياح غربية تجارية وتنتقل إلى منطقة تقع بين مدار السرطان ومدار الجدي وذلك عبر المحيط الهادي التجاري، وبفعل الرياح ستنتقل المياه الدافئة السطحية إلى الجهة الغربية للمحيط الهادي بين استراليا وآسيا مما يؤدي إلى تزايد في مستوى مياه البحر عن مقدارها الطبيعي بالإضافة إلى زيادة في مستوى المياه الباردة التي تتجه نحو السطح وذلك نتيجة تحرك الماء الدافئ غربًا، وبالتالي فإن المناخ العالمي يتأثر بعملية صعود الماء نحو الأعلى مما ينتج عنه تزايد كميات الأمطار في غينيا الجديدة وجزر إندونيسيا، وبالتالي فإن ظاهرة النينو تحدث بسبب التفاوت في صغط الهواء.
إن أهم خاصية لظاهرة النينو هي سخونة مياه المحيط الهادي، بالإضافة إلى بعض الخصائص الأخرى مثل:
- قوى الرياح المنخفضة على طول خط الاستواء في الطبقات الدنيا من الغلاف الجوي.
- الحمل الحراري في مياه المحيط الهادي الاستوائية.
- التيار النفاث أو ما يسمى jet streams الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في فصل الشتاء.
- درجات الحرارة المنخفضة في الجهة الجنوبية الشرقية من الكرة الأرضية.
تؤدي ظاهرة النينو إلى حدوث كوارث طبيعية مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات مما يؤثر على تجارة الأسماك ومهنة الصيد في البحار والمحيطات، كما أن ظاهرة النينو تؤدي إلى حدوث تغيرات منحرفة في الدورة المناخية، وبالتالي ارتفاع أو انخفاض كبير في درجات الحرارة لمياه البحار والمحيطات، بالإضافة إلى طول فترة الوصلات الجوية وتغيرات سلبية في المناخات الموسمية في كل مناطق العالم، فمثلًا في سنة 1918 وقعت ظاهرة النينو في الساحل البيروفي مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة المياه وسخونتها، وقد نتج عن ذلك خسارة الأسماك التي تعطي تجارتها عائدًا اقتصاديًّا مهمًّا في تلك البلدان، كما كلّفت هذه الظاهرة الولايات المتحدة الأمريكية خسائر مالية كبيرة أي حوالي 3 مليار دولار في عام 1918 وذلك بسبب الأذى الذي لحق بالأراضي الزراعية والمباني.
هل لعبت الدومينو في صغرك؟، إذًا فأنت تعلم كيف تنتقل الحركة بشكلٍ متوالٍ دون توقف، وهذا ما يحصل أثناء حدوث ظاهرة النينو، وللإجابة الدقيقة والواضحة على سؤالك؛ سأخوض معك في تفاصيل هذه الظاهرة المناخية.
النينيو (El Niño)، والتي تعني “الصبي الصغير” أو “الطفل المسيح” بالإسبانية، هي نمطٌ مناخيٌّ يصف الإحترار غير العادي للمياه السطحية في شرق المحيط الهادئ الاستوائي، ويمكنك اعتبارها أحد وجهي ظاهرةٍ أكبر تدعى التذبذب الجنوبي (ENSO)، فهي الطور الدافئ لظاهرة ENSO، ويقابلها لا نينا (La Nina) “الفتاة الصغيرة”أو “الطور البارد” وتعاكس النينو فتصف التبريد غير المعتاد للمياه السطحية في المنطقة. أي يمكنك اعتبار ظاهرتي El Niño و La Niña على أنهما الجزء المحيطي من التذبذب الجنوبي، في حين أن التذبذب الجنوبي هو التغيرات الجوية.
أوّل من لاحظ ظاهرة ارتفاع درجة حرارة المياه بشكلٍ غير اعتياديٍّ، هم مجموعةٌ من الصيادين خلال رحلة صيدٍ قبالة الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية في نهاية العام؛ أي خلال فترة عيد الميلاد، فعُرفت الظاهرة باسم النينو أي الطفل المسيح نسبة لهذا الفترة.
عادةً، في الأحوال العادية بعيدًا عن النينو، تهبّ الرياح التجارية غربًا على طول خط الاستواء، فيرتفع سطح المياه في غرب المحيط الهادئ عن شرقه، بسبب تجميع الرياح التجارية للمياه السطحية الدافئة في غرب المحيط الهادئ، وفي هذه الأثناء ينتقل مع الرياح التجارية تيار هومبولت المحيطيّ البارد شمالًا على طول سواحل تشيلي وبيرو، لترتفع درجة الحرارة عندما يصل إلى وسط المحيط الهادئ.
ما يحدث في النينو، هو ضعفٌ في الحركة الدورية للرياح التجارية الاستوائية الغربية، مما يترتب عليه الضعف في تيار هومبولت، فترتفع درجة حرارة المياه على طول سواحل التشيلي والبيرو، مما يخلق ظروفًا أكثر دفئًا من المعتاد على طول الساحل.
يتجلى تأثير النينو على المناخ من خلال التغييرات في أنماط دوران الغلاف الجوي العالمية النموذجية، وهو تأثير الدومينو الذي بدأت به معك، فغالبًا ما تترافق هذه الظاهرة بتغيراتٍ مناخيّةٍ، تؤثر على حدة وكثافة الطقس في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال، تقل فرص حدوث الأعاصير في كلٍّ من الولايات المتحدة وجزر الكاريبي القاريّة.
وفي مناطق أخرى من العالم، كالبيرو حيث ترتفع حرارة الطقس، ويزداد الجفاف في اندونيسيا وإفريقيا وأستراليا، وفرص حرائق الغابات والادغال، والهطول الغزير للأمطار، وما يتبعه من فيضاناتٍ، ونشاط الأعاصير المدارية، واحتمالات الانهيارات الطينية، والشتاء المعتدل في الشمال الشرقي، وانخفاض عدد الأعاصير في الجنوب الشرقي،.ضع في اعتبارك أنّ هذه التغيرات ليست مؤكدةً، ولكن تزداد فرص حدوثها خلال ظاهرة النينو.
ومما لا شك فيه أن كل هذه التغييرات سيكون لها تأثيرٌ على الحياة البحرية، وأنواع الطيور، في سنوات غير النينيو، فكما ذكرت لك سابقًا، في الفترات خارج مرحلة النينو، يرتفع منسوب مياه المحيطات بسبب الرياح التجارية، مما يتسبب عنه وصول المغذيات من العوالق الموجودة في القاع إلى السطح؛ لتتغذى عليها الأسماك التي تعيش في المياه العليا، كما تعتمد الأعشاب البحرية على تيار هومبولت البارد والمغذي، فتخيل معي ما يمكن أن يحدث عندما تنعكس هذه الظواهر خلال مرحلة النينو، فتموت الأسماك أو تهاجر إلى مناطق أكثر وفرةً بالمغذيات؛ وهذا ما يتبعه من موتٍ أو هجرةٍ للطيور التي تعتمد على هذه الأسماك في غذائها، وانخفاضٍ في أعداد الثدييات البحرية كالفقمة وأسد البحر، وغالبًا ما تتدمر أعشاب البحر بسبب العواصف وتضخم المحيطات.
إن التنبؤ بحدوث النينو أو مدته أو طبيعة تأثيره أمرٌ غايةٌ في الصعوبة، على الرغم من الجهود التي تبذلها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي، من خلال الشبكة الواسعة من العوامات التي تقيس درجة حرارة المياه، والتيارات البحرية، وسرعة الرياح في النطاق الاستوائي، وجمع هذه البيانات في برامج كمبيوتر خاصّةٍ ومعقدةٍ، في محاولةٍ من العلماء للتنبؤ بحدوث ظاهرة النينو.