لماذا لا ينسى فاقد الذاكرة لغته؟
من الغريب أن مرضى فقدان الذاكرة، رغم نسيانهم تفاصيل حياتهم بأكملها، قادرون على التحدث بلغتهم الأم. فلماذا لا ينسى فاقد الذاكرة لغته؟
فقدان الذاكرة هو فقدان الذاكرة طويلة المدى التي تحدث نتيجة المرض أو الصدمة الجسديّة أو الصدمة النفسيّة، وهناك أنواع مختلفة من فقدان الذاكرة اعتماداً على جزء الدماغ المتضرر؛ على سبيل المثال، بعد وقوع حادث ما قد ينسى الشّخص ذكريات الأحداث قبل الحادث لكنّه يتذكّر كل شيء بعد ذلك دون أيّة مشاكل، بما في ذلك كيفيّة المشي والتحدّث؛ ومع ذلك قد يكون شخص آخر على عكس ذلك تماماً، ومن الممكن أن يكون قد فقدَ جميع ذكريات الأحداث قبل وبعد الإصابة، وبالتّالي فإنه سيخسر تماماً كل الذاكرة، بما في ذلك كيفيّة التحدّث.
تتنوع أسباب فقدان الذاكرة، منها ينتج عن السكتّة الدماغيّة الّتي تتسبب بضرر بالدماغ وتؤدي إلى عدم القدرة على التحدّث، وكل هذا يتوقف على تعطيل الروابط العصبيّة لمراكز الدّماغ المختلفة.
يُعتبر الكلام واللّغة إلى جانب وظائف الجسم الأخرى المكتسبة منذ فترة طويلة مثل الأكل وارتداء الملابس واستخدام المرحاض، هي وظائف من ذاكرتنا طويلة الأمد ولا تتأثر عادةً بفقدان الذاكرة.
تتنوع أساليب علاج فقدان الذاكرة بحسب التّشخيص؛ ومن هذه العلاجات:
- علاج سلوكي معرفي: حيث تتم بهذه الحالة معالجة النطق واللّغة.
- علاج فيزيولوجي: ويتضمّن علاج طُبي للجزء الّذي تسبب بفقدان الذاكرة.
- علاج نفسي: لمعالجة حالات الاكتئاب والقلق وغيرها من الأمراض النفسيّة.
يميل المريض بفقدان الذاكرة إلى الاحتفاظ بذكريات طفولته بقوةٍ، والتي غالبًا ما تُعزز عبر الزمن. وغالبًا أنه حصل وسمعت بشخصٍ فقد ذاكرته، إلا أنه لا يزال يحتفظ بلغته الأصلية. ولم ينسى أيّ حرفٍ منها، على الرغم من نسيانه لجميع تفاصيل حياته.
وقد دفع هذا الأمر الغريب العلماء إلى البحث لفهم آلية ذلك، ووجدوا أن فقدان الذاكرة يعتمد على الخلل الحاصل ومكان التضرر في الدماغ. ففي حالة العائق العقلي الذي يحدث عند كبار السن، يحصل الضرر في الفص الجبهي للدماغ. أما في حالة فقدان الذاكرة، أو الإصابة بمرض الزهايمر فإنها ناتجة عن تغير كيميائية الدماغ، وبالتالي حدوث تلفٍ في خلايا المخ.
قسم العلماء ذاكرة الإنسان إلى نوعين هما:
- الذاكرة التقريرية: تهدف هذه الذاكرة إلى تخزين المعلومات عن حياة الإنسان، ويعتبر الفص الصدغي في الدماغ هو المسؤول عنها.
- الذاكرة المهارية: تعمل على تخزين الكلام والنطق، والحركات، والمهارات التي تعلمها الإنسان في حياته. ويعتبر المخيخ واللوزة الدماغية هما المسؤولان عنها.
ولذلك عند تعرّض الإنسان لإصاباتٍ تؤثر على ذاكرته التقريرية، فإنه لن ينسى لغته. بينما إذا تعرض لإصابةٍ في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة المهارية، فسينسى كل ما تعلمه من لغةٍ ومهاراتٍ خلال حياته بأكملها.
على الرغم من أنّ فقدان الذاكرة قد يجعل الشخص غير قادر على معرفة اسمه أو أفراد عائلته أو حتّى ماضيه القريب أو البعيد، إلّا أنّه لا يزال قادر على تذكر لغته الأم والتحدث بها دون أي خللٍ في القواعد والاستخدام.
وإنّ ما تتساءل عنه قد توصل العلماء إلى إجابةٍ شافية ومرضية له فقد قام العلماء بتقسيم ذاكرة الإنسان إلى نوعين؛ ذاكرة عرضية أو تقريرية Episodic وذاكرة مهارية أو دلالية Semantic. ويقوم النوع الأول بتخزين معلومات عن حياة الشخص مثل اسمه، وعائلته، وأصدقائه، أمّا النوع الثاني فهو مسؤول عن تخزين المهارات التي يكتسبها الشخص طيلة حياته مثل الكلام والتحدث، والقراءة والكتابة، وقيادة المركبات. فعند تعرض الإنسان لفقدان ذاكرة فإنّ الذكريات التي تتضرر هي تلك المُخزنة في الذاكرة التقريرية، وتعرض الذاكرة التقريرية للضرر لا يؤثر نهائيًا على الذاكرة المهارية والذكريات التي تحتويها والتي من ضمنها اللغة والقدرة على الكلام. ففاقد الذاكرة قد ينسى محبته للتفاح إلّا أنّه لن ينسى ما هو التفاح.
إنّ فقدان اللغة هو من أعراض فقدان القدرة على الكلام Aphasia وهو عندما تتعرض الذاكرة المهارية للضرر؛ وفي هذه الحالة يستطيع المريض فهم اللغة إلّا أنّه غير قادر على الكلام والرد.
ربما ستجد الإجابة لدى معرفة الأنواع المختلفة والأسباب لفقدان الذاكرة، والأجزاء المسؤولة عن كلّ منها في الدماغ، فإن حدث وصادفتك حالةٌ عدم القدرة على تذكر شيءٍ معيّنٍ؛ كمن يواجه جدارًا كبيرًا، فهذا ما يسمى بالانغلاق العقلي؛ وهي حالةٌ تنتج عن ضرر في الفص الأمامي من الدماغ، وأغلب ما يصاب بها كبار السن. وهناك أيضًا فقدان الذاكرة الناتج عن الصدمة، أو بسبب مرض الزهايمر، فجميعها تنتج عن أضرارٍ في الذاكرة العرضية وليس الدلالية، فما هاتان الذاكرتان؟
سأبدأ معك بالذاكرة العرضية والتي تهتم بالأحداث المرافقة للموقف ومكانها وزمانها، فهي تُمثّل مجموعة التجارب الشخصية التي مررنا بها، أمّا الذاكرة الدلالية فتهتم بمعرفة ماهية ومعاني المفردات والمصطلحات؛ فعلى سبيل المثال في حال فقدان الذاكرة العرضية قد تنسى طعم التفاح أو مدى محبتك له أي ما يجمعك به، ولكنك لن تنسى ما هو التفاح.
ولكن كيف نستطيع إيجاد الكلمة المناسبة الدالة على المعنى، أي كيف يمكننا إنتاج الكلام؟ حسنًا، يوجد في الدماغ جزأين مسؤولين عن هذه العملية وهما منطقة بروكا (Broca) المسؤولة عن الكلام، ومنطقة فيرنيك (Wernicke) المسؤولة عن فهم الكلام، وهما منفصلتان عن عملية التذكر، لذلك عندما يصاب الفرد بضعف الذاكرة أو فقدانها فإنه لا يفقد الذاكرة العضلية لإخراج الأصوات، وبذلك يبقى قادرًا على استخدام لغته، ولكنه لن يتمكّن من فهم الكلمات أو المصطلحات الجديدة أو النادرة الاستخدام سابقًا بالنسبة له.
ولكن، القدرة على النطق بالجمل وبنائها هي مسؤولية منطقة بروكا، في حين تُعدّ منطقة فيرنيك مسؤولةً عن التحدث أو فهم لغةٍ مكتسبةٍ؛ وهو ما يسمى بالحبسة، ولها أنواع عدّة:
- الحبسة التعبيرية: وتعني فقدان القدرة على الاستخدام الصحيح للكلمات والجمل.
- الحبسة الاستقبالية: وهي عدم القدرة على فهم كلمات الآخرين.
- الحبسة الشاملة: وتضمّ كلٍّ من فقدان القدرة على استخدام المفردات وفهمها.
وتتوقف شدة الحالة على مدى الضرر الذي أصاب الوصلات العصبية في الذاكرة الطويلة الأمد حيث تُخزَّن اللغة الأم، وموقع الضرر في الدماغ.