يُعتبر “شاعر الجرح الفلسطيني” محمود درويش واحد من أشهر وأبرز شعراء المقاومة الفلسطينية، لأنه دائماً ما كان يتناول موضوع القضية الفلسطينية في قصائده، بالإضافة لذلك يُعتبر من أهم المساهمين في تطوير الشعر العربي الحديث وذلك من خلال إدخاله لمذهب الرمزية فيه.
وغالباً ما يرمز الشاعر محمود درويش لفلسطين على أنها امرأة التي تخرج من بعدها الجسدي لتكون ذات معنى أوسع لمعاني الحرية والوطن.
ففي قصيدة (عاشق من فلسطين) يتحدث الشاعر إلى محبوبته (فلسطين) ويقول لها أنه شاهدها في البارحة مسافرة لوحدها دون أحد، ويسألها لماذا أضحى بعيداً عن قريته وعن أهله الذين أضحوا بعيدين بسبب السجن أو النفي أو السفر:
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهلٍ.. بلا زادٍ
ركضت إليكَ كالأيتام،
أسأل حكمةَ الأجداد
لماذا تسحبُ البيّارة الخضراء
إلى سجنٍ، إلى منفى، إلى مِيناء.
ويكمل واصفةً محبوبته فلسطين على أنها فتاة جميلة ذات ضفائرٍ شقراء كـ لون القمح، وقوية في وجه الأعداء والصعاب كالنخلة التي لا تخضع وتنكسر مهما عصف بها:
وأنت حديقَتي العذراء
ما دامَت أغانينا
سيوفًا حينَ نشرعها
وأنت وفيّة كالقمح
ما دامَت أغانينا
سمادًا حينَ نزرعها
وأنت كنخلةٍ في البال،
ما انكسرت لعاصفةٍ وحطّاب
وما جزّت ضَفائرها
وحوشَ البيد والغاب..
منذ أواخر القرن التاسع عشر كان الشعر الفلسطيني تعبيرًا عن ثقافة المقاومة والنضال من أجل تقرير المصير، وكان الشعر شكلًا من أشكال المقاومة، يستذكر الجروح، ويؤكد على الالتزام بالنضال من أجل الحرية، والعودة إلى الأرض السليبة.
وفي قصيدته (عاشق من فلسطين) يتساءل محمود درويش عن سبب إقصائه وأهله (البيارة الخضراء) عن أرضهم ، فمنهم من تحول إلى سجين بسبب نضاله ضد المحتل، ومنهم من كان الميناء بوابة خروجه منفيًا من الوطن دون معرفة موعد العودة :
رأيتك أمس في الميناء
مسافرة بلا أهل .. بلا زاد
ركضت إليك كالأيتام،
أسأل حكمة الأجداد:
لماذا تسحب البيّارة الخضراء
إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء
يتابع درويش قصيدته ليصف الوطن بأجمل الأوصاف فهو الفتاة الحسناء ذات الضفائر التي لن تتمكن وحوش الغاب من ضفائرها، ويؤكد على الهوية الفلسطينية والانتماء للوطن، كما يؤكد على العودة إلى الوطن لتعود إليه هويته الحقيقية.
و أنت حديقتي العذراء..
ما دامت أغانينا
سيوفًا حين نشرعها
و أنت وفية كالقمح ..
ما دامت أغانينا
سمادًا حين نزرعها
و أنت كنخلة في البال،
ما انكسرت لعاصفة و حطّاب
وما جزّت ضفائرها
وحوش البيد و الغاب..
لماذا تسحب البيارة الخضراء
إلى سجن إلى منفى إلى ميناء
وتبقى رغم رحلتها
ورغم روائح الأملاح والأشواق
تبقى دائماً خضراء؟
هذا ما كتبه الشاعر الفلسطيني المقاوم المعروف محمود درويش في قصيدته “عاشق من فلسطين” (lover from palestine)، هذه القصيدة الوطنيّة ليست الوحيدة للكاتب وله الكثير من القصائد التي تغنّى بها عن حبّه لفلسطين التي تصمد وتنزف بسبب احتلال الكيان الصهيوني لها.
عبّر محمود درويش عن تعلّقه بالوطن في هذه القصيدة وأصدرها ليثبت أنّه لم ينسى أرضه بالرغم من التهجير القسري له وللكثيرمن السكان الفلسطينيين وطول المدة التي ابتعدوا فيها عن الأرض، وعبّر عن ألمه تجاه هذه القضيّة بقوله ” لماذا تسحب الأرض الخضراء” حيث قصد الأرض المسلوبة بالبيارة ويتساءل لماذا تسلب فلسطين الجميلة من قبل الصهاينة إلى الضياع والهجر (الميناء)، ولماذا أصبح سكان فلسطين إمّا سجناء أو مهاجرين أو قتلى.
وتطرّق إلى التأكيد و التعبير عن جماليّة أرض فلسطين بالرغم من الذي حصل لها ولشعبها من ألم وفقد و بالرغم من الشوق الذي يحرق كلاهما كل يوم، وستبقى فلسطين معطاء وجميلة والموطن الوحيد للفلسطينيين الذين يشبهون شجرة النخيل ولا يمكن اقتلاعهم من أرضهم أبداً وسيفنى المحتل الذي يشبه النمل ولن يصبح يوماً قويّاً كأطفال الحجارة.

يعد الشاعر محمود درويش من أبرز الشعراء العرب المدافعين عن القضية الفلسطينية، ويلقب بأديب المقاومة، حيث ولد في فلسطين في قرية تابعة لعكا في عام 1941، وتنقل بين موسكو والقاهرة وتونس وبيروت وباريس، وعاش أواخر حياته متنقلًا ما بين رام الله وعمان حتى وافته المنية في إحدى مشافي تكساس الأمريكية عام 2008.
نظرًا لنشأته في ظروف الاحتلال، فقد تكون فكره ووعيه تحت منظور المقاومة، بالرغم من أن بداية شعره كانت في الجانب الغزلي، إلا أنه بعد نضجه اتسم شعره بالنضال والمقاومة، وله أكثر من ثلاثين ديوان شعر، وقام بتأليف ثمانية كتب، وكان له دور كبير في تطوير الشعر العربي، وأكسبه الرمزية.
لمحمود درويش العديد من القصائد الوطنية ولعل من أبرزها قصيدة عاشق من فلسطين التي تعتبر من أبرز القصائد التي عبر فيها عن حبه لفلسطين، واستذكر فيها رحلة التشرد واللجوء، تذكر الشاعر فيها غربته عن الوطن، وجسد معاناة الفلسطينين من وحشية الصهاينة، وشبه المقاومة بغمد السيف الذي يحميه إشارة إلى فلسطين، من أبياتها:
اسأل حكمة الأجداد
لماذا تسحب البيارة الخضراء
إلى سجن إلى منفى إلى ميناء
وتبقى رغم رحلتها
ورغم روائح الأملاح والأشواق
تبقى دائمًا خضراء
ويقصد بالبيارة الخضراء وطنه الأم فلسطين، ويتساءل في هذه الأبيات عن السبب الذي أدى إلى إخراج أبنائها منها، أما الميناء فيقصد به طريق اللجوء والهجرة بعيدًا عن ويلات الحرب، ثم يصف فلسطين بأنها ستبقى دائمًا خضراء، دلالة على الخير المتأصل في أرضها وشعبها.
كتب محمود درويش قصائد أخرى كثيرة عبرت عن معاناة وطنه من الاحتلال، ومنها يوميات جرح فلسطيني، وعلى هذه الأرض.