لماذا الطيبون اكثر عرضة للاضطرابات النفسية

تُعرّف الاضطرابات النفسية بأنّها مرض عقلي يتمّ تشخيصه من قبل أخصائي الصحة العقلية، ولإثبات الإصابة يجب أن تكون ردة فعل المريض أكثر حدةً من الاستجابة المتوقعة ولكن لماذا الطيبون اكثر عرضة للاضطرابات النفسية؟

4 إجابات

القليل من الغضب بين الحين والآخر قد يبقيك بصحة نفسية جيدة. فقد أظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة Nature Human Behavior أن الأشخاص اللطفاء، والذين وصفهم الباحثون على أنهم حساسون للظلم أو عدم الإنصاف، هم أكثر عرضةً لإظهار أعراض الاكتئاب من الأشخاص الأكثر قسوةً وأنانية.

وقد اعتمدوا في هذه الدراسة على اختبار 350شخصًا، أخضعوهم لاختبارات الشخصية، وتمكنوا من تصنيف الأشخاص إلى مجموعتين:

  • مؤيد اجتماعي: وهو الشخص المستعد للتضحية بالرغبات والنفس في العمل من أجل تحقيق العدل والإنصاف.
  • فردي: وهو الشخص الأناني المهتم أولًا بتحقيق راحته ومصلحته في الدرجة الأولى، ثم تأتي مصالح الناس ومشاركتهم في العمل وحصولهم على موارد مالية كونهم أقل حظًا في العمل.

اعتُمِد في هذه الدراسة على التصوير بالرنين المغناطيسي ورؤية أي جزء من أدمغتهم أضاء خلال مواقف محددة، وهكذا وجد الباحثون أن أنماط الدماغ للمجموعتين تتفاعل بشكل مختلفٍ تمامًا مع عدة مواقف، فمثلًا المواقف التي يتم فيها توزيع الأموال بشكل غير متكافئ، أظهر الأشخاص المؤيدون اجتماعيًا الكثير من النشاط في اللوزة (جزء من الدماغ مرتبط بالمشاعر، بما في ذلك الظلم والتوتر) ، في حين أن الفرديين زادوا النشاط في اللوزة فقط عندما يتلقى أشخاص آخرون أموالًا أكثر منهم. كان هناك أيضًا نمط مختلف من النشاط بين المجموعتين في الحصين، وهي منطقة بدائية أخرى من الدماغ تؤثر على ردود الأفعال الناتجة عن الإجهاد.

ثم أعطى الباحثون الأشخاص الخاضعين للاختبار استبيانًا لمساعدتهم على تحديد ما إذا كانت أنماط نشاط الدماغ هذه مرتبطة بأعراض الاكتئاب، وقد اتضح أن الأشخاص الذين لديهم شخصيات اجتماعية ونمط اجتماعي إيجابي (الأنواع اللطيفة) كانوا أكثر عرضةً للإصابة بأعراض الاكتئاب، وقد تابع الباحثون الأشخاص المشاركين نفسهم لعام كامل وكانت النتائج نفسها.

لا تعني الدراسة بالضرورة أن اللطف الاجتماعي والاهتمام بالأشخاص الآخرين سيؤدي تلقائيًا إلى الاكتئاب، بل إنن الأشخاص اللطفاء أو الطيبون أكثر عرضة للاكتئاب لأنهم أكثر عرضةً للتعاطف مع الآخرين، وتأنيب الضمير بشأن عدم المساواة، والحزن والانطواء بسبب الظلم.

أكمل القراءة

تشير إحدى الدراسات إلى أنّ الأشخاص الطيبون واللطفاء هم أكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب، وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى بالمقارنة مع الأشخاص الأنانيين؛ وذلك لكونهم يتوقعون دومًا معاملة الآخرين لهم بإحسان نظرًا لنيتهم الطيبة، وبالتالي فهم يعانون من حساسية مفرطة ضد الظلم وعدم الإنصاف. وأوضح الباحثون أنّ الأشخاص الطيبين أكثر عرضة للتعاطف والشعور بالذنب بشأن عدم المساواة وكذلك الشعور بالقلق والتوتر حيال الظلم، وقد وُجد أيضًا أنّ هذه الحساسية العاطفية ترتبط بأدمغتهم.

وقد يواجه أيضًا الشخص الطيب أو الحساس للغاية بعض الضغوطات اليومية أو مشاكل في علاقاته مع الآخرين بسبب رد الفعل المبالغ به اتجاه المواقف والأشياء، فمن الممكن أن يُصبح بذلك عدوانيًا اتجاه موقف لا يتطلب منه ذلك، فقد يسيء فهم الآخرين رغم كونهم لا يقصدون التسبب بأي ضرر وهذا مرهق للغاية. وقد يجد الشخص الطيب صعوبة في قول لا لمتطلبات الآخرين، وهذا ما يسبب بعض العبء عليه، فهو يميل إلى تلبية احتياجات الآخرين وقد يشعر بالمسؤولية اتجاه سعادة الآخرين.

يشعر بعض الأشخاص الطيبين أيضًا بتحمّل الخسارة أكثر من غيرهم، فبعد انتهاء مشكلةٍ ما يشعر أنه كان بوسعه تقديم حلول ونتائج أفضل، مما يسبب له بعض الصراعات الداخلية.

أكمل القراءة

كما يُقال أن زمن الطيبين قد ولّى، ولعل الشخص الطيب في القديم كان مثالاً يحتذى به قبل أن يتحول مفهوم الطيبة في أيامنا هذه ليصبح الطيب أقرب للمغفل، ويعود هذا لعدة عوامل للمجتمع دور كبير فيها، حيث أصبحت المعطيات التي تتحكم بالواقع الذي نعيشه حالياً مخالفة كلياً لصفة الطيبة.

بالرغم من نبل هذه الصفة، إلا أن واقعنا هذا ليس بالمدينة الفاضلة، فغالباً ما يُربى الشخص الطيب في عائلة تملأ قلبه بالمثاليات، وتنشؤه على التعامل بطيبة وصدق وقناعة في كل المواقف، ليتشبّع بتلك الأفكار ويطبقها فعلاً في محيطه الطيب أيضاً، فيعيش برضا تام عن نفسه في هذا المجتمع المحدود.

إلى أن يبدأ بالخروج لمحيط آخر يختلف عنه، أو ينخرط ربما في الحياة العملية فيقدم بشكل طبيعي على أي تصرف بحسن نية بحت متوقعاً حسن النية ذاتها من الشخص الآخر، ويكون لديه عطاء كبير من دون مقابل وهذا ما يعرضه للاستغلال، ليُصدم بعدها نتيجة خيبات الأمل المتكررة بحقيقة الواقع الذي كان مخدوعاً به وغافلاً عن نصفه السيء، ويكتشف فيما بعد أنه والبيئة التي عاش وكبر فيها ماهي إلا نقطة في محيط العالم المتوحش، ويعتبر نفسه أضعف من أن ينخرط في مجتمعات مختلفة عنه، فيصبح خجولاً وهشّاً تجاه المواقف الحياتية والصدمات، وتخف بالتالي ثقته بنفسه لتتفرع تلك الفجوات النفسية لاضطرابات كثيرة ممكن أن يعيش معها الشخص كل حياته، ومن وجهة نظر أخرى أن الدين والاستسلام لأفكار ومعتقدات مقدسة غير خاضعة لأي منطق هي من يجعل هذه الفئة من الناس مقيدة.

أغلب من كانوا طيبين أصبح لديهم ردود فعل عكسية ليتحولوا لأشخاص قاسيي القلب نافرين من فعل الخير، محاولين بذلك إظهار القوة التي افتقدوها يوماً، إذ غالباً ما كانوا يوصفون بضعيفي الشخصية بسبب مواقفهم الطيبة، وهذا ما ينتج عنه عقد نفسية واضطرابات كبيرة ممكن أن تتطور فيما بعد لأمراض جسدية.

أكمل القراءة

لمعرفة مدى قابلية الأشخاص الطيبين للإصابة بالاضطرابات النفسية لابدّ من تعريف الأشخاص الطيبين بدايةً، فقد تختلط المعايير بين الحساسية والضعف والأخلاق، فمن هم الطيبون؟ وفقًا لفلسفة أرسطو، يرتبط الشخص الطيب بالأخلاق الحسنة، ويتّصف بأربع سماتٍ أساسيةٍ، هي:

لماذا الطيبون اكثر عرضة للاضطرابات النفسية

  • الحكمة، وما تحمله من موضوعية وتأنٍ وبعد نظر
  • الاعتدال، ويُقصد به التحكّم  بالمشاعر والعاطفة كالغضب أو الشغف، وتحكيم العقل، ومقاومة الرغبات.
  • العدل، وهو احترام حقوق الآخرين، ومعاملتهم كما ترغب في أن يتعاملوا معك.
  • الشجاعة، لتحمل مسؤولية آرائك وأفعالك، وردّ السوء عن الآخرين.

يتطلب توافر هذه الصفات قوّةً نفسيّةً عاليةّ، فغالبًا ما نجدها تتوافر في الآباء أو القادة، بسبب الظروف والتجارب وما تفرضه عليهم، فيسعون لتحقيق هذه الفضائل وإيصالها للأبناء أو التابعين.

أما الشخص الحساس فهو الشخص الذي يستجيب الجهاز العصبي المركزي لديه بشدةٍ وسرعةٍ أكبر للمحفّزات الجسدية والعاطفية والاجتماعية، كمتابعة الأفلام العاطفية أو العنيفة وما تمنحه لك من شعورٍ بعدم الاستقرار، أو تأثّرك العميق بالفن والطبيعة، والشعور بالإرهاق خلال الازدحام أو من الأضواء الساطعة، والحاجة إلى العزلة حين مواجهة المواقف العصيبة، لذلك يتقاطع الشخص الحساس مع الانطوائي، فالعزلة هي السبب الرئيسي للأمراض العقلية.

فمن ضرائب الشخصية الحساسة الشعور بالقلق والتوتر والضيق لدى مواجهة الضغوطات الاجتماعية، والشكّ الذاتي والمسؤولية العالية تجاه الآخرين، والإحباط لخسارة بعض العلاقات الشخصية، وما تحمله هذه المشاعر السلبية من مشاكل أخرى كزيادة الشعور بالروائح الكريهة، أو التركيز على الفوضى مثلًا، والشعور العام بعدم الراحة، وهو ما يؤثّر على الصحة العقلية.

لذلك فإن إدارتك لخصائصك كشخص حسّاسٍ هي ما يمنحك مزايا الشخصية أو مساوئها، فإمّا أن تكون شخصًا يبكي بمشاهدته الفيديوهات الحساسة، أو شخصًا يتأثّر بها ويتعاطف مع غيره ويقدّر ما يحيط به من جمال، مكوّنًا علاقات وطيدة وأكثر ثقة مع الآخرين. ومن الممكن أن تتأثّر بالعنف والصراعات من حولك، أو أن تجد طريقة تتجنّب فيها العنف وما يصاحبه من إرهاقٍ، فبالإدارة الصحيحة لمزاياك وبالفهم الصحيح لها، يمكن أن تكون أكثر قوّةً في حياتك.

أكمل القراءة

هل لديك إجابة على "لماذا الطيبون اكثر عرضة للاضطرابات النفسية"؟