كيف ينتقل مرض الطاعون
الطاعون أو كما يعرف بالموت الأسود هو أحد الأوبئة الأكثر فتكًا في التاريخ البشري، حيث غزا أوروبا وحصد أرواح ما يقارب ثلث سكانها، فبلغ إجمالي الوفيات بهذا المرض حوالي 200 مليون نسمة من كل أنحاء العالم، حيث ظهر الطاعون لأول مرة في القارة العجوز في أكتوبر عام 1347 عندما وصلت 12 سفينة إلى إيطاليا قادمة من البحر الأسود، وكان معظم البحارة قد ماتوا، في حين كان بعضهم الآخر يعاني من وجود دمامل سوداء يغطيها الدم والقيح، مما أدى لانتشار هذا الوباء بشكل كبير انطلاقًا من تلك المنطقة إلى كل العالم، فوجدت العديد من الطرق التي تسببت في نقل العدوى بمرض الطاعون، ومن هذه الأسباب نذكر ما يلي:
- لدغات البراغيث: حيث من الممكن أن تنتقل البكتريا المسببة للطاعون إلى الإنسان عند تعرضه للدغ من قبل برغوث حامل للمرض من أحد القوارض أو الحيوانات المصابة، وعادة ما تسبب هذه الطريقة الطاعون الدملي.
- ملامسة السوائل أو الأنسجة: حيث يمكن أن تنتقل العدوى عند التعامل مع سوائل أو أنسجة جسم مصاب بالطاعون دون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يصاب صياد بهذه البكتيريا عند ملامسته لجلد أرنب مصاب، وتعتبر هذه الطريقة من الطرق الشائعة لانتقال الطاعون الدملي.
- السعال والعطاس: وهي من طرق الانتقال الأكثر شيوعًا لعدوى الطاعون الرئوي، وغالبًا ما تحتاج هذه الطريقة لاتصال قريب ومباشر مع الشخص الحامل للبكتريا، حيث عندما يعطس أو يسعل الشخص المصاب من الممكن أن ينقل الرزاز المحمل بجراثيم الطاعون إلى شخص سليم مسببًا الطاعون الرئوي له وتعتبر الطريقة الوحيدة لانتقال العدوى بين البشر.
وعادةً ما تبدأ أعراض هذا المرض خلال 6 أيام أو أقل بعد الإصابة بالجراثيم المسببة له، حيث يشعر المريض بشكل عام بالغثيان والحمى والقشعريرة وصداع يرافقه تعب ووهن عام، كما يوجد مجموعة من الأعراض خاصة بكل نوع من أنواع الطاعون وفق التالي:
الطاعون الدملي: هو من أكثر أنواع الطاعون انتشارًا، يهاجم الغدة اللمفاوية في الرقبة والفخذ وتحت الذراعين، مما يسبب تضخمًا فيها يرافقه آلام شديدة، مع احتمالية انتقال الجراثيم إلى مناطق أخرى داخل الجسم.
طاعون إنتان الرئوي: يعتبر من أكثر أنواع الطاعون خطورةً، ويحدث عند وصول البكتيريا إلى الدم مسببًا الأعراض التالية:
- حدوث نزيف في أماكن مختلفة كالأنف والفم والجلد.
- آلام في البطن يرافقها إقياء وإسهال.
- ظهور بقع سوداء حول الأنف وفي أصابع القدمين واليدين.
الطاعون الرئوي: يحدث هذا النوع عند وصول البكتيريا إلى الرئتين، ويعتبر أكثر الأنواع ندرةً وخطورةً في حال لم يعالج بسرعةً، لأنه مرض شديد العدوى ينتشر في الهواء عند سعال أو عطاس الشخص المصاب، وترافقه الأعراض التالية:
- سعال قد يصحبه خروج دماء.
- ضيق في التنفس.
- إقياء وغثيان.
وعند تشخيص الإصابة يجب البدء بالعلاج الدوائي الذي يتضمن بشكا أساسي المضادات الحيوية كسيبروفلوكساسين ودوكسيسايكلين وجنتمايسين وليفوفلوكساسين، لما لهذه الأدوية من تأثيرات قوية على الجراثيم المسببة للمرض، حيث يتحسن أغلب المصابون به خلال أسبوع أو اثنين، مع العلم من الممكن أن يؤدي هذا المرض للموت المؤكد في حال غياب العلاج، كما يجب عزل المرضى وخاصة المصابون بالطاعون الرئوي، بالإضافة لاتباع قواعد الوقاية لكل الكوادر الطبية المحيطة بالمريض، كما تعتبر طرق الاهتمام بالنظافة الشخصية و مراعاة الشروط الصحية للمسكن من أهم طرق الوقاية ضد مرض الطاعون، بالإضافة للتخلص من القوارض ورش المبيدات حول مناطق السكن.
غالبًا ما حُذّرت في طفولتك من ملامسة الأرانب أو السناجب بالرغم ممّا تثيره من رغبةٍ طفوليةٍ لديك في مداعبتها وملاعبتها، والآن وقد كبرت فمن المرجح أنك أصبحت أكثر درايةً بما يسمى بالمرض الأسود أو مرض الطاعون، وهو الوحش الصغير المخيف الذي تحمله هذه الكائنات على جسمها.
بداية دعني أعرفك به، إنه أحد الأمراض التي تتسبب بها بكتريا Yersinia pestis، أو ما يعرف بالبكتريا الطاعونية، والتي تتواجد غالبًا في الحيوانات القارضة بشكلٍ أساسيٍّ كالفئران والأرانب والسناجب والجرذان، ويتشارك معها بذلك البراغيث المرافقة لها، مُسببةً الموت بنسبة منخفضة بين مجتمعات القوارض المختلفة، وبذلك من الممكن أن تتسبب هذه الكائنات المصابة منها بالعدوى للحيوانات اللاحمة البرية التي تتغذى عليها، فتشكّل هذه القوارض وما تحمله على جسمها من براغيث خزاناتٍ طويلة الأمد للبكتريا الطاعونية. فترتفع نسبة الإصابة بهذا الوباء في الموائل الطبيعية التي تتوافر فيها أنواع مختلفة ومجتمعات ضخمة من القوارض، بالإضافة لانتشاره بكثرةٍ في بلدان العالم الثالث حيث لا تُراعى الشروط الصحية العامة، وفي المجتمعات المدنية التي ترتفع نسبة انتشار الفئران فيها.
ممّا سبق يمكن استخلاص عدة طرقٍ ووسائل يمكن لمرض الطاعون أن ينتقل عبرها وهي:
- لدغة البراغيث: يشترك البرغوث مع القوارض في دورة الحياة البكتيريا المسببة للطاعون، فخلال انتشار الوباء يحدث أن تكون القوارض أولى ضحايا البكتيريا، مُخلفّةً وراءها برغوثًا حاملًا للبكتيريا أيضًا في دمه، ومُتعطشًا لدم عائل جديد له، فينتقل باحثًا عن مصادر جديدة للدم، لينتقل بذلك إلى أقرب حيوان سواء كان قططًا أو كلابًا أو غيرها من الحيوانات الثديية أيضًا، أو إلى البشر المتواجدين في مكان تواجد القوارض المصابة النافقة، أو من الحيوانات الأخرى المصابة، فتسبب هذه البراغيث الإصابة بالطاعون الدبلي أو طاعون إنتان الدم.
- ملامسة السوائل والأنسجة الملوثة: هذا ما يحدث لدى التعرض غير المباشر للحيوانات المصابة، ومن الممكن مشاهدة هذه الحالة لدى صيادٍ قام باصطياد أرنبٍ مصابٍ بالطاعون وذبحه ليصبح بذلك على تماسٍّ مباشرٍ مع الدم الملوث بالبكتيريا الطاعونية أو اللّحم الملوث، فتحدث الإصابة. وكسابقه ينتج عن هذا الطريق الطاعون الدبلي أو طاعون إنتان الدم.
- القطرات المُعدية: ويسبب هذا النوع الإصابة بالطاعون الرئوي تحديدًا، فسببه الرئيسي هو انتقال الرذاذ الفموي الناتج عن السعال من شخصٍ مصابٍ لآخر سليم وعلى اتصالٍ مباشرٍ ووثيق به. وعلى الرغم من ندرة انتقال الطاعون في هذه الطريقة منذ أوائل القرن الماضي، إلا أنالعديد من الحالات سجلت في العقود الأخيرة لانتقال الطاعون الرئويّ من القطط التي تتغذى على القوارض المصابة والنافقة إلى البشر المعيلين لها أو الطبيب البيطريّ المشرف عليها.
على مدى قرونٍ طويلة شكّل مرض الطاعون شبحًا أسود خيّم على الكثير من المجتمعات، ليحصد أرواح ما يزيد عن 50 مليون فرد خلال القرن الرابع عشر في القارة الأوروبية وحدها. ولكن، ومع تطوّر العلم في القرن العشرين انخفضت نسبة حدوث هكذا نوعٍ من التفشي، فآخر جائحةٍ انتشرت لمرض الطاعون في الولايات المتحدة حدثت في لوس أنجلوس في الفترة الممتدة بين عامي 1924-1925م، وأصبح بالإمكان مؤخّرًا علاج الطاعون باستخدام المضادات الحيوية، والحدّ الكبير من انتشاره باتباع الإجراءات الوقائية المناسبة، ليتركّز منذ تسعينيات القرن الماضي في أفريقيا وبشكلٍ خاصٍّ في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر وبيرو.