كيف اتعلم أن أتمالك نفسي من البكاء بسرعة
البكاء هو استجابةٌ طبيعيةٌ للمشاعر كالفرح أو التوتر أو الحزن، وتختلف النظريات حول فيزيولوجيا البكاء وسببه الدقيق، فيقترح علماءٌ أن البكاء هو نوع من الوسائل الدفاعية النفسية وطريقةٌ لتسريع الشفاء النفسي والتخفيف من المُصاب، كما أنه من أشكال التعبير العاطفي، ويقترح آخرون أن البكاء ينتج عن حالةٍ من الإثارة العصبية الشديدة التي تُحفِّز السلوك الذي ينتهي بذرف الدموع سواءً عند الفرح أو الحزن أو الخوف أو غيرها.
كما يرتبط البكاء بزيادة نشاط الجهاز العصبي والجسدي ومزجٍ مُعقدٍ من التنشيط العصبي الودي وغير الودي والجسدي، وعلى الرغم من أنه سلوكٌ طبيعيٌّ وصحيٌّ لدى المخلوقات، ولكن نلاحظ أن بعض الناس يُبدون حساسيةً مُبالغاً بها وقابليةً للبكاء بسرعةٍ من مجرد رؤية مشهدٍ تمثيليٍّ دراميٍّ أو مواجهة حدثٍ مُزعجٍ بسيطٍ في حياتهم، ويصعب التحكم بالبكاء من قبل معظم البشر، كما توجد اختلافاتٌ فرديةٌ بين الأشخاص في مختلف الأعمار وبين الجنسين أيضاً فنرى الإناث أكثر قابليةً وسرعةً للبكاء من الذكور، ولكن عموماً إذا كنت لا ترغب في البكاء بسرعةٍ أو أمام الآخرين فإليكَ بعض الوسائل التي تُساعدك على تمالك نفسك من البكاء بسرعةٍ علماً أن مفتاح هذا الباب يكمن في تجربة جميع الطُرُق وعدم اليأس واكتشاف الوسائل الحسية والمادية التي تُناسبك:
تعلم تنمية ذكائك العاطفي؛ من خلال قراءة الكتب التي تتحدث عنه أو المُشاركة بالدورات التدريبية في مراكز التنمية البشرية مثلاً؛ حيثُ يُمكنك أن تتعلم كيفية التعرف والسيطرة على عواطفك وتقليل توترك وتحسين علاقاتك وتحقيق التوازن في حياتك، ويُعرَفُ للذكاء العاطفي أربعَ سماتٍ وهي:
- الإدارة الذاتية: وهي التحكم بمشاعرك وسلوكياتك الاندفاعية وإدارتها بطريقةٍ صحيحةٍ، ومعرفة نقاط القوة والضعف لديك، والتكيف مع الظروف المتغيرة.
- الوعي الذاتي: ويعني التعرف على مشاعرك وكيف تؤثر على أفكارك وسلوكك.
- الوعي الاجتماعي: أي فهم مشاعر واحتياجات الآخرين والتعرف على الإشارات العاطفية، وهذا يُساعدك في ضبط نفسك من البكاء أمام الأشخاص الذين يجب أن تُخفف عنهم حزنهم مثلاً.
- إدارة العلاقات: حيث تتعلم إدارة صراعاتك النفسية والاجتماعية، وتطوير علاقاتك.
ويشتمل هذا البرنامج على:
- المساعدة على تغيير مزاجك والتعرف على مشاعرك وفهمها بشكلٍ أفضل والاعتراف بمخاوفك وعدم تهويلها وإيجاد طرقٍ للتخلص منها، بالإضافة إلى رفع قدرتك على تحمُّل الأخبار غير السارة واستيعاب المشاعر السلبية، وتحسين تواصلك مع الآخرين؛ وبينما تحاول تحقيق التوازن في عواطفك وتحسن علاقاتك ستكتشف أن المشاعر الإيجابية لديك قد بدأت بالتطور.
- السيطرة على القلق والتوتر وتجنب التفكير الزائد بالمخاوف كان له تأثير إيجابي على التحكم بالبكاء، فيميل بعض الأشخاص في سبيل تجنبهم القلق وعدم تهويلهم للتهديدات إلى السخرية منها كمحاولة لتقليل تنشيط الجهاز العصبي ورفع عتبة البكاء، ولكن برأي الكثيرين فإن المُبالغة في استخدام هذا الأسلوب في تجاهل المشاعر قد ينعكس سلباً على تعاملك مع المواقف الجادة في المُستقبل.
- يُمكنك إدارة وقتك وجهدك والمحافظة على التوازن في جهازك العصبي وزيادة التركيز والتحكم بالنفس من خلال ممارسة تقنيات التأمل واليوغا والاسترخاء وعمل التمارين الرياضية التي ترفع المزاج.
- من أسرع الطرق لتخفيف الضغط والتوتر وتقليل الميل للبكاء هو أخذ نفس عميق واستخدام حواسك في التهدئة من خلال مُشاهدة صورٍ جميلةٍ ومُفضلةٍ وتُذكرك بموقف مُفرحٍ، أو شمِّ رائحةٍ مُحببةٍ إليك، أو الاستماع لموسيقى هادئةٍ أو أغنيةٍ تترك في نفسك مشاعرَ سعيدةً ولطيفةً أو تذكرك بموقفٍ مُضحكٍ أو مُفرحٍ، كما يُمكنك تناول طعامٍ تُحبه وتعلم أنه سيُسعدك كالشوكولا أو البيتزا، ولمضغ العلكة دورٌ مفيدٌ في تخفيف التوتر والضغط، كما يلجأ بعض الناس لمُعانقة حيواناتهم الأليفة أو أغراضهم الشخصية كالألعاب أو الوسائد والأغطية أو حتى أصدقائهم وأفراد عائلتهم؛ نعم صديقي..لا تستهن بالقوة النفسية التي يمنحها عناق شخصٍ ترتاح بقربه.
- توقع الانتكاسات وضع بحسبانك التحديات التي يُمكن التنبؤ بها وتخيل أنها تحدث الآن وامنح دماغك فرصةَ وضعِ حلولٍ واعيةٍ.
يبكي الأطفال بسرعةٍ أكبر لأن آليات الكشف عن التهديدات تكون أكثر حساسيةً كما تُعتبر الدموع إشارةً مرئيةً يُبديها الطفل للتعبير عن معاناةٍ مُعينةٍ لا يُمكنهُ التعبير عنها بالكلام، لذلك من الجيد أن تبقى قريباً من طفلك وتُشاركه لعبه وتفهم إشاراته وتكون رحيماً به وتقوم بتوعيته بالشكل المناسب والابتعاد عن الضرب كوسيلة للتأديب.
يُظهر المراهقون قلقاً وحساسيةً زائدةً أحياناً فيميلون للبكاء؛ فعليك أن تتصرف بحكمةٍ وتستوعب صعوبة المرحلة التي يمرون بها وتكون قريباً منهم وتجعلهم يتحدثون عما يُزعجهم لتُعطيهم طريقةً للتعامل معه.
بعد الاطلاع على العديد من المراجع والتجارب رأيت أن تقنيات التأمل هي الأفضل لضبط النفس والتحكم بالعواطف وترويضها؛ حيثُ تُركز أولاً على تنفسك واسترخاء عضلاتك تدريجياً ثم على حالتك العاطفية، فأحببتُ أن أعرّفك على جزءٍ منها:
- بداية التأمل التي تستغرق 16 دقيقةً: حيثُ تتعلم فيها كيفية الاسترخاء واكتشاف الأحاسيس الجسدية والنفسية.
- التأمل المُتوسط الذي يستغرق 18 دقيقةً: وتنتقل إلى هذه المرحلة عندما تشعر بالتوافق مع أحاسيسك في بداية التأمل، وهُنا يُحدِّد دماغك ماهية هذه الأحاسيس بدقةٍ ويُركّز عليها.
- التأمل الأعمق الذي يستغرق 24 دقيقةً، وهنا تتعلم كيف تبقى على اتصالٍ عاطفيٍّ حتى في المواقف التي تجعلك تشعر بعدم الارتياح والمُحافظة على الهدوء والتركيز.
- التأمل العميق الذي يأخذ 30 دقيقةً، وهنا تتعلم كيفية الحفاظ على التركيز واليقظة والوعي العاطفي في جميع الأوقات.
- في نهاية التأمل عندما تُحوِّل انتباهك بعيداً عن حالة التركيز الداخلي مرةً أخرى وتعود إلى مخاوفك اليومية، فإن بعضاً من الوعي بمشاعرك والقدرة على استيعابها والتحكم بها سيبقى مُرافقاً لك، وهذا يعني أنك تدمج ما يحصل أثناء التأمل مع حياتك اليومية تدريجياً مما يمنحكَ شعوراً أفضل وقدرةً أعلى على ضبط سلوكياتك المختلفة وليس فقط سرعة البكاء؛ ولذلك من المهم التدرب والاستمرار بممارسة هذه التقنيات لفترةٍ طويلةٍ نسبياً واختبار ردود فعلك وقياس سرعتك في البكاء من فترةٍ لأخرى، وتستغرق هذه العملية عند تنفيذها بشكلٍ صحيحٍ من 21 إلى 28 يومٍ.