يمكن تعريف الوسواس القهري (Obsessive Compulsive Disorder) بشكل مختصر على أنّه أحد أنواع الإضطرابات النفسيّة التي تصيب الإنسان، حيث يعاني المصابون بالوسواس القهريّ من قيامهم بتكرّار بعض الأحاسيس والأفكار -على حدٍ سواء- بشكل غير مفهوم أو مفسّر، حيث تتشكّل لديهم دوافع نفسيّة تعمل على إجبارهم بتكرار الكثير من الممارسات بشكل غير منطقيّ البتة، وتُعتبر هذه الحالة المرضيّة منتشرة بشكل واسع في العالم، حيث أنّه حوالي 1.2% من سكان الولايات المتحدّة الأمريكيّة يعانون من هذا الاضطراب، والجدير بالذكر أنّ معظم هؤلاء المصابين هم من الإناث.
وفي معظم الأحيان يبدأ هذا الاضطراب في مراحل الطفولة أو المراهقة، وتختلف الأسباب الكامنة وراءه التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- الأسباب الوراثيّة: بالرغم من عدم وجود مورّثات بعين ذاتها مسؤولة عن هذا الوسواس إلا أنّ الكثير من الإحصاءات أكّدت أن إصابة أحد أفراد العائلة بالوسواس القهري يزيد من فرص إصابة أحد أبنائه به.
- الأسباب المناعيّة: تعمل إحدى مجموعات الجراثيم التي يُطلق عليها اسم المكورات العقديّة المقيحة (Group A streptococcus) على إحداث خلل وظيفي في النوى القاعديّة في الدماغ والذي من شأنه أن يؤثر على سلوك الشخص، بالرغم من أنّ هذه الجراثيم نادرًا ما تصيب الإنسان.
- الأسباب السلوكيّة: إنّ سلوك الإنسان له تأثير كبير على صقل شخصيته فعند اتباع نوع معيّن من السلوك يؤدّي مع الوقت الطويل إلى إصابته بالوسواس القهري.
علاج الوسواس القهري
بالرغم من استحالة علاج الوسواس القهري في الكثير من الحالات إلا أنّه يمكن أن تساعد بعض أنواع العلاجات في السيطرة على أعراضه وتخفيف تأثيره على الحياة اليوميّة للفرد وذلك يعتمد على شدة الوسواس لدى المصاب، فقد يحتاج بعض الأشخاص إلى علاجٍ طويل الأمد أو علاجٍ مستمر بشكل دائم. وفي جميع الأحوال يُقسم العلاج إلى نوعين رئيسيين وهما العلاج النفسيّ والعلاج الدوائيّ، وفي أغلب الأحيان يتم الخلط ما بين النوعين.
العلاج النفسيّ: يُعتبر العلاج النفسيّ الجزء الأهم في خطة العلاج، وذلك لأنّ هذه الحالة المرضية ما هي إلا اضطرابات نفسيّة في شخصية المريض، وفي معظم الأحيان يتم الاعتماد على أسلوب العلاج السلوكي المعرفيّ (CBT) المعروف بفعاليته الكبيرة من خلال تخفيف التوتّر والتخلّص من الضغط النفسيّ. ويكون العلاج وفق ثلاث مراحل والتي تشمل التقييم الأولي لحالة المريض ومن ثم التدخل العلاجي وأخيرًا التقييم النهائيّ.
الأدوية: يتم اللجوء في أغلب الأحيان إلى الأدوية النفسيّة التي أثبتت فعاليتها في السيطرة على الوسواس القهريّ ومحفزاته، وتُعبر أدوية مضادات الاكتئاب التي اعتمدتها ارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) من أشهر الأدوية المستخدمة في علاج هذه الحالات والتي تشمل:
- عقار Clomipramine (Anafranil) والذي يوصى به للبالغين والأطفال الذين تخطوا عمر العاشرة.
- عقار Fluoxetine (Prozac) يُعطى هذا الدواء للبالغين والأطفال فوق سن السابعة.
- عقار Fluvoxamine يوصف للأطفال فوق سن الثامنة وللبالغين.
- عقار Paroxetine (Paxil, Pexeva) وهذا الدواء مخصّص للبالغين فقط.
- عقار Sertraline (Zoloft) ويمكن وصفه للبالغين والأطفال فوق سن السادسة.
الوسواس القهري هو اضطراب قلق يظهر على شكل أفكار لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها وسلوكيات وعادات روتينية تشعرنا بضرورة القيام بها بشكل مستمر، كعادة غسيل اليدين بشكل مستمر خوفاً من الجراثيم فالقيام بهذا الأمر بشكل مستمر لا أظن أنّه يجلب المتعة، لكن بالنسبة للمصاب بوسواس قهري قد يشعره ببعض الراحة والطمأنينة ويسّكن القلق بداخله الذي تنتجه الأفكار الوسواسية.
غالباً الإنسان الواعي يستطيع التوقف عن الأشياء التي يدرك مخاطرها على صحته الجسدية فيستطيع التوقف عن شرب الكحول أو المخدرات أو حتى تناول الكثير من السكريات، لكن يصعب عليه السيطرة على هواجسه وأفكاره التي تنبض في عقله بشكل لا إرادي متناغم فعند إصابته بوسواس قهري معيّن فإنه قد يدرك سيطرته عليه لكن مع ذلك لايستطيع التخلص منه وعدم التفكير به، ليصبح جزءاً من حياته اليومية ، ومع أنه أحياناً يرفض هذه الأفكار لكن لسوء الحظ لايستطيع منعها من إزعاجه وتشتيت انتباهه مما يدفعه للقيام بها بشكل مستمر ومتواتر تبعاً لعودة تلك الأفكار إلى ذهنه ويبقى يدور في هذه الدائرة حتى يقرر مقاومة تلك المحفزات ويستعيد توازن أفكاره وتصرفاته .
بالطبع لاتصنف جميع العادات التي قد تستحوذ على أفكارنا على أنها وسواس قهري ..لاتقلق، حتى تصنف العادات والسلوكيات على أنها وسواس قهري يجب أن تتعارض مع سلوكيات حياتنا اليومية وعملنا حتى نومنا وحتى نستطيع الخروج من هذه الحلقة المغلقة يمكن اتباع بعض النصائح التي تساعد على إيقاف الوسواس:
- السلوك الأهم في سبيل إيقاف هاجس الوسواس القهري هو العلاج المعرفي أي معرفة الحافز الذي يثير الهوس فتتبع السبب ومعرفته قد يمكننا من السيطرة على ردة الفعل والنتيجة، فإذا كنت مصاباً بهوس التحقق من إغلاق الأبواب فحاول الاهتمام بإحكام الإغلاق من أول مرة وأكّد على هذه الفكرة في ذهنك وذكر نفسك بأنك قد احكمت إغلاق الباب، وعند عودة الرغبة بالقيام بذلك ستجد أنها أصبحت مجرد فكرة استحواذية، فتحديد المحفز هو من أهم الأدوات لمقاومة الوسواس القهري.
- لاتحاول الهروب من المواقف التي تحرّك الهاجس فالهروب عامل للخوف، حاول المواجهة والمقاومة ويسمى هذا بالتعرض والوقاية من الاستجابة وهو من أهم علاجات الوسواس القهري، فإذا كنت تملك هاجس غسل اليدين فلا تسمح لنفسك بالاستجابة للمحفز واجه قلقك وستلاحظ أنك بدأت تتحكم بتلك الأفكار.
- الوحدة هي المحرض الرئيسي لأي فكرة فاسع لخلق علاقات اجتماعية وتواصل مع العائلة والوسط المحيط، فالعزلة الاجتماعية سبب مهم لزيادة أعراض الوسواس، حدذهم عن مخاوفك واطلب مساعدتهم للتخلص من وسواسك، العلاج الأسري عن طريق حياة عائلية طبيعة يساعد جداً على فهم الحالة
- حاول أن تهدئ نفسك وتخفف من حالة القلق، استمع للموسيقا مارس الرياضة أو اليوغا مما يساهم في تقليل التوتر والتحكم في الأفكار.
- ربما تفيد بعض مضادات الاكتئاب في تقليل حدة الأفكار لكنها بالتأكيد ليست العلاج الفعال لوحدها لأننا كما ذكرنا أن الوسواس القهري ليس بمرض عضوي إنما حالة نفسية.
- إذا كان أحد المقربين منك مصاباً بالوسواس القهري فتجنب انتقاده بشكل سلبي وتذكر أن التصرفات التي يقوم بها لاتمثل شخصيته لكنها أعراض يعاني منها فلا تطلب منه التوقف عنها ولا تضغط عليه، هذا سيؤدي إلى ردات فعل سيئة.
تاكد أن العلاج لايمكن أن تظهر نتائجه بين ليلة وضحاها وقد يستغرق وقتاً تبعاً لشدة الحالة وتحتاج إلى إعادة برمجة لنظم الحياة والسعي لخلق حياة متوازنة صحية بعد السيطرة على الوسواس، ومن المهم أيضاً معرفة خطر الانتكاس فالكثير من المتعافين يعودون إلى نفس الدائرة والعودة تكون بشكل أقوى لذا عند الوصول إلى حالة الشفاء يحب مراعاة العديد من الأمور حتى نحافظ النتيجة.